ولن يكون هناك أثر للحياة نفسها في هذا الكون ، ولما كانت الحياة ولا تزال قائمة (لا يعني بذلك أزلية الحياة بل طول بقائها) ولا تزال العمليات الكيمياوية والطبيعية تسير في طريقها ، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود وهكذا توصلت العلوم دون قصد إلى أن لهذا الكون بداية وهي بذلك تثبت وجود الله تعالى.
لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ نفسه ولا بدّ من مبدئ أو محرّك أول أو من خالق وهو الإله (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ.)
ولا يقتصر ما قدمته العلوم على إثبات أن لهذا الكون بداية فقد أثبت فوق ذلك أنه بدأ دفعة واحدة منذ خمسة بلايين سنة.
واليوم لا بدّ لمن يؤمنون بنتائج العلوم أن يؤمنوا بفكرة الخلق أيضا وهي فكرة تستشرف على سنن الطبيعة لأن هذه السنن إنما هي ثمرة الخلق.
ولا بدّ لهم أن يسلموا بفكرة الخالق الذي وضع قوانين هذا الكون الوسيع.
وما إن أوجد الله مادة هذا الكون والقوانين التي تخضع لها حتى سخرها جميعا لاستمرار عملية الخلق عن طريق التطور.
يقول فرانك ألن : إذ نحن والماديون نشترك في الإذعان بأزلية ما في الكون فإما أن ننسب الأزلية إلى عالم ميت ، وإما أن ننسبها إلى إله حي يخلق ما يشاء.
وليس هناك صعوبة فكرية في الأخذ بأحد هذين الاحتمالين اكثر مما في الآخر ، ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيا وأنها سائرة حتما إلى يوم قصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق (المراد من الصفر المطلق لا يعني الصفر المشهور بل هو الصفر الذي يفقد كافة درجات الحرارة والحركة الجزئية