٦١ ـ عبد الهادي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن مأمون (١).
أبو عروبة السّجستانيّ ، الزّاهد ، شيخ الصّوفيّة وإمام سجستان.
يحوّل من الماضية إلى هنا (٢) ، فإنّ فيها ورّخه الحافظ يوسف بن أحمد الشّيرازيّ ، وقال : كان للمذهب ركنا وثيقا ، ولأهل الحديث حصنا منيعا. وكان صلب الدّين ، خلف جدّه وخاله في الرّدّ على المبتدعين. وكانت أوراده تستغرق ليله ونهاره. ومناقبه لا تنتهي حتّى ينتهى عنها.
وقد سمع منه الحافظ (٣) عبد القادر [الرّهاوي] (٤) فأكثر عنه وقال : سمع الحديث من جدّه عبد الله سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، وحجّ. وسمع «المسند» من أبي الحصين. وبلغني أنّه لمّا حجّ قرأ عليه ابن ناصر مسلسلات أبي حاتم بن حبّان. وكان زاهدا ، ورعا متواضعا ، كثير النّوافل ، سريع الدّمعة ، حسن الأخلاق. عاش تسعا وثمانين سنة ما عرفت له زلّة. وكان منتشر الذّكر في البلاد القاصية بحسن السّيرة ، وكان له رباط ينزل فيه كلّ من أراد من القادمين ، ووقف عليه نصف قرية ، فكان لا يتناول من ذلك شيئا ، بل يجعله في نفقة الرباط ، ويتعيّش بغليلة له يسيرة ، ومات وعليه دين ، هذا مع سعة جاهه بسجستان ، حتّى عند بعض مخالفيه.
بلغنا موته وأنا بهراة بعد مفارقتي له بقليل ، فأغلقت أسوار هراة ، ومنع الوعّاظ من الوعظ ، وجلس كبراء هراة من العلماء والرؤساء والعمّال في الجامع عليهم ثياب العزاء ، وجلس واعظ وذكر مناقبه ، وبكى النّاس عليه.
كنت يوما عنده ، فجعل إنسان يحدّثنا بدخل بغداد ، فتعجّب وقال :
سبحان الله ، إنسان يعيش حتّى يشيخ ، ولا يرى في يد أحد عشرة دنانير.
__________________
(١) انظر عن (عبد الهادي بن محمد) في : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٥٢ رقم ٢٨٨ ، والإعلام بوفيات الأعلام ٢٣١ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٣٧٥.
(٢) لم يذكره في الماضية حتى يحوّل إلى هنا.
(٣) في الأصل : «الحفاظ» وهو وهم.
(٤) إضافة على الأصل للتوضيح من : سير أعلام النبلاء.