من المسلمين فوق المائتين ، فلمّا أصبحوا زحفوا على الإسكندريّة ، ونصبوا ثلاث دبّابات (١) بكباشها (٢) ، وهي كالأبراج ، وثلاثة مجانيق تضرب بحجارة سود ، استصحبوها من صقلّيّة ، فزحفوا إلى أن قاربوا السّور ، فرأى الفرنج من شجاعة أهل الإسكندريّة ما راعهم. وبعثت بطاقة إلى الملك صلاح الدّين وهو نازل على فاقوس ، فاستنهض الجيش وبادروا. واستمرّ القتال.
وفي اليوم الثّالث فتح المسلمون باب البلد ، وكبسوا الفرنج على غفلة ، وحرّقوا الدّبّابات ، وصدقوا اللّقاء ، ودام القتال إلى العصر ، ونزل من الله النّصر ، واستحرّ بالفرنج القتل. وردّ المسلمون إلى البلد لأجل الصّلاة. ثمّ كبّروا عند المغرب ، وهاجموا الفرنج في خيامهم ، فتسلّموها بما حوت ، وقتلوا من الرّجّالة ما لا يوصف. واقتحم المسلمون البحر ، فغرّقوا المراكب وحرّقوها ، وهربت باقي المراكب ، وصار العدوّ بين أسير ، وقتيل ، وغريق. واحتمى ثلاثمائة فارس في تلّ ، فأخذوا أسرى ، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة ، فلله الحمد كثيرا (٣).
[هلاك مرّي ملك الفرنج]
وفي آخر السّنة هلك مرّي (٤) ملك الفرنج ، لا رحمهالله. وهو الّذي حاصر القاهرة ، وأشرف على أخذها (٥).
__________________
(١) الدّبابات : جمع دبّابة ، وهي برج متحرّك ذو أدوار قد تصل إلى أربعة ، أولها من خشب ، وثانيها من رصاص ، وثالثها من حديد ، ورابعها من النحاس الأصفر ، وتتحرّك على عجلات وتستخدم في مهاجمة الحصون والأسوار بمساعدة الكباش.
(٢) الأكباش : جمع كب ٥ ، وهي آلة تتّصل بالدبّابة ، لها رأس ضخم وقرنان ، تدفع نحو الأسوار لهدمها. (السلوك ج ١ ق ١ / ٥٦ حاشية ٨).
(٣) الكامل ١١ / ٤١٢ ـ ٤١٤ (حوادث سنة ٥٧٠ ه.) ، النوادر السلطانية ٤٨ ، ٤٩ ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٥٩٨ ـ ٦٠٠ ، مفرّج الكروب ٢ / ١٢ ـ ١٤ ، سنا البرق الشامي ١ / ١٦٩ ـ ١٧٥ ، عقد الجمان (مخطوط) ١٢ / ١٩٤ ب ، ١٩٥ أ ، الدرّ المطلوب ٤٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٨٧.
(٤) وهو «cirlamA.
(٥) الكامل ١١ / ٤١٩ (حوادث سنة ٥٧٠ ه.) ، الروضتين ج ١ ق ٢ / ٦١٢ ، تاريخ الزمان ١٩٠.