القادر لأجل المجلس ، فمضيت ليلة وصعدت على سطوح المدرسة ، وكان الحرّ شديدا ، فاشتهيت الرّطب وقلت : يا إلهي وسيّدي ، ولو أنّها خمس رطبات.
وقال : كان للشّيخ باب صغير في السّطح ، ففتح الباب وخرج ، وبيده خمس رطبات ، وصاح : يا مظفّر ، وما يعرفني ، تعال خذ ما طلبت.
قال : ومن هذا شيء كثير.
قال : وكان ابن يونس وزير الإمام النّاصر قد قصد أولاد الشّيخ عبد القادر ، وبدّد شملهم ، وفعل في حقّهم كلّ قبيح ، ونفاهم إلى واسط ، فبدّد الله شمل ابن يونس ومزّقه ، ومات أقبح موتة.
قلت : كان الشّيخ رضياللهعنه عديم النّظير ، بعيد الصّيت ، رأسا في العلم والعمل. جمع الشّيخ نور الدّين الشّطنوفيّ المقرئ كتابا حافلا في سيرته وأخباره في ثلاث مجلّدات ، أتى فيه بالبرّة وأذن الجرّة ، وبالصّحيح والواهي والمكذوب ، فإنّه كتب فيه حكايات عن قوم لا صدق لهم ، كما حكوا أنّ الشّيخ مشى في الهواء من منبره ثلاث عشرة خطوة في المجلس ، ومنها أنّ الشّيخ وعظ ، فلم يتحرّك أحد فقال : أنتم لا تتحرّكون ولا تطربون ، يا قناديل اطربي.
قال : فتحرّكت القناديل ، ورقصت الأطباق.
وفي الجملة فكراماته متواترة ، ولم يخلف بعده مثله.
توفّي في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستّين وله تسعون سنة ، وشيّعه خلق لا يحصون.
قال الجبّائيّ : كان الشّيخ عبد القادر يقول : الخلق حجابك عن نفسك ، ونفسك حجابك عن ربّك (١).
٢٤ ـ عبد العزيز بن عليّ بن محمد بن سلمة (٢).
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٥٠.
(٢) انظر عن (عبد العزيز بن علي) في : تكملة الصلة لابن الأبّار ٦٢٨ ، معرفة القراء الكبار