إليه في ذلك الجمع ، فبادرني الشّيخ سابقا لفكرتي وقال : هات ما معك ، ولا عليك من النّاس ، وسلّم على الوزير.
قال : ففعلت وانصرفت مدهوشا (١).
وقال أبو بكر عبد الله بن نصر الهاشميّ : حدّثني أبو العبّاس أحمد بن المبارك المرقعاتيّ قال : صحبت الشّيخ عبد القادر (٢).
وقال صاحب «مرآة الزّمان» (٣) : كان سكوت الشّيخ عبد القادر أكثر من كلامه ، وكان يتكلّم على الخواطر ، فظهر له صيت عظيم ، وقبول تامّ. وما كان يخرج من مدرسته إلّا يوم الجمعة ، أو إلى الرباط. وتاب على يده معظم أهل بغداد ، وأسلم معظم اليهود والنّصارى. وما كان أحد يراه إلّا في أوقات الصّلاة. وكان يصدع بالحقّ على المنبر ، وينكر على من يولّي الظّلمة على النّاس.
ولمّا ولّي المقتفي القاضي ابن المرخّم الظّالم ، قال على المنبر : ولّيت على المسلمين ظلم الظّالمين ، ما جوابك غدا عند ربّ العالمين؟
وكان له كرامات ظاهرة. لقد أدركت جماعة من مشايخنا يحكون منها جملة. حكى لي خالي لأمّي خاصّبك قال : كان الشّيخ عبد القادر يجلس يوم الأحد ، فبتّ مهتّما بحضور مجلسه ، فاتّفق أنّني احتلمت ، وكانت ليلة باردة ، فقلت ما أفوّت مجلسه ، وإذا انقضى المجلس اغتسلت. وجئت إلى المدرسة والشّيخ على المنبر ، فساعة وقعت عينه عليّ قال : يا زبير ، تحضر مجلسنا وأنت جنب وتحتجّ بالبرد!
وحكى لي مظفّر الحربيّ ، رجل صالح ، قال : كنت أنام في مدرسة الشّيخ عبد
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٩.
(٢) في الأصل ترك بياض مقدار نيّف وأربعة أسطر ، وكتب بجانبه على الهامش «ث. بيّض المؤلّف هذا المقدار ويمكن أن يكتب من مناقبه».
(٣) ج ٨ / ٢٦٤ ، ٢٦٥.