قال ابن الزّبير : بقي إلى سنة ٥٦٥ وبلغ الثّمانين (١).
١٩٩ ـ عليّ بن هبة الله بن محمّد بن النّجّاريّ (٢).
__________________
(١) وقال ابن عبد الملك المراكشي : وكان في فتائه إذ رحل إلى قرطبة قد استكتبه الحاج بن بلكاس اللمتوني فحظي عنده كثيرا واستولى عليه ، وبقي معه كذلك مدة ، ثم رفض ذلك وتخلّى عنه زاهدا فيه ، وتصدّق بما ملكته يمينه أجمع.
قال أبو العباس أحمد بن إبراهيم الأزدي : سمعت أبا الصبر أو عبد الجليل يقول : ورث أبو الحسن بن غالب عن أبيه نحو اثني عشر ألف دينار ، فخرج عنها كلها تورّعا ، فقال له أبو العباس بن العريف : يا أبا الحسن ، هلّا طهّره الثلث؟ ثم إن أبا الحسن أثر الخمول والسياحة ، وطاف البلاد في لقاء العلماء والزهّاد ، وانقطع معهم وألزم نفسه من أنواع المجاهدات كثيرا. ثم لما كانت فتنة الأندلس دارت عليه دوائر كادت تنال منه ، فخلّصه الله منها بجميل صنعه وما عوّد أولياءه من ألطافه ، وفارق الأندلس بعد تردّده في كثير من بلادها حتى استوطن قصر كتامة وصار إمام الصوفية وقدوتهم ، يقصدون إليه ويهتدون بآثاره ويقتبسون من أنواره.
وكان ممكّنا في علوم القرآن ، وله في طريقة التصوّف مصنّفات لا نظير لها منها : «كتاب اليقين» ، وكان له حظ وافر من الأدب وقرض الشعر ، خاطبه القاضي أبو حفص بن عمر في أمر واستدعى منه الجواب فكتب إليه :
وما عسى يصدر من باقل |
|
من كلم سحبان يعيا به |
لو جاز أن يسكت ألفا ولا |
|
ينطق خلفا كان أولى به |
فرض الجواب اضطرّه صاغرا |
|
أن يدّعي ما ليس من بابه |
أردتم من فضلكم أن تروا |
|
معيديا في فضل أثوابه |
فهاكم عنوانه معرب |
|
عن فهه بان بإعرابه |
لو سكت المسكين يا ويحه |
|
أغرى بمن كان من أحبابه |
وكان عالما ، أديبا ، شاعرا ، ديّنا ، فاضلا ، زاهدا ، متواضعا ، إذا رأيته وعظك بحاله وهو صامت مما غلب عليه من الحضور والمراقبة لله تعالى ، وقد جمع الله له محاسن جمّة من العلوم والمعارف والآداب ، وخصوصا علم الحقائق والرياضات وعلوم المعاملات والمقامات والأحوال السنية والآداب السنية. وكان من المحدّثين ، قيّد في الحديث روايات كثيرة ، ولقي من المشايخ الجلّة جملة ، غير أنه كان يغلب عليه المراقبة لله والتأهّب للقائه وحسن الرعاية والإقبال على الدار الآخرة ، وكان قد بلغ الثمانين سنة ، وهو في اجتهاده كما في بدايته ، وكان شيخ وقته علما وحالا وورعا ، أشفق خلق الله على الناس ، وأحسنهم ظنّا بهم.
(٢) انظر عن (علي بن هبة الله) في : مرآة الزمان ٨ / ٢٨١ ، والتكملة لوفيات النقلة ١ / ٢٨١ (في ترجمة ابنه ـ حوادث ٥٩٣ ه.) ، ومعجم الألقاب ج ٤ ق ٢ / ٧٩٢ ، والمختصر المحتاج إليه ٣ / ١٤٦ ، ١٤٧ رقم ١٠٦٧ ، والتاريخ المجدّد لابن النجار (مخطوطة باريس=