أتفقّه في صباي ، فخطر لي أن أقرأ شيئا من علم الكلام ، عزمت على ذلك من غير أن أتكلّم به ، فاتّفق أنّي صلّيت مع عمّي الشّيخ أبي النّجيب ، فحضر عنده الشّيخ عبد القادر مسلّما ، فسأله عمّي الدّعاء لي ، وذكر له أنّي مشتغل بالفقه. وقمت فقبّلت يده ، فأخذ يدي وقال لي : تب ممّا عزمت على الاشتغال به ، فإنّك تفلح. ثمّ سكت وترك يدي ، ولم يتغيّر عزمي عن الاشتغال بالكلام ، حتّى شوّشت عليّ جميع أحوالي ، وتكدّر وقتي عليّ ، فعلمت أنّ ذلك بمخالفة الشّيخ (١).
قال : وسمعت أبا محمد بن الأخضر يقول : كنت أدخل على الشّيخ عبد القادر في وسط الشّتاء وقوّة برده ، وعليه قميص واحد ، وعلى رأسه طاقيّة ، وحوله من يروّحه بالمروحة ، والعرق يخرج من جسده كما يكون في شدة الحرّ (٢).
قال : وسمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشّيبانيّ : سمعت الحافظ عبد الغنيّ : سمعت أبا محمد بن الخشّاب النّحويّ يقول : كنت وأنا شابّ أقرأ النّحو ، وأسمع النّاس يصفون حسن كلام الشّيخ عبد القادر ، فكنت أريد أن أسمعه ، ولا يتّسع وقتي لذلك ، فاتّفق أن حضرت يوما مجلسه ، فلمّا تكلّم لم أستحسن كلامه ، ولم أفهمه ، فقلت في نفسي : ضاع اليوم منّي. فالتفت إلى الجهة الّتي كنت فيها وقال : ويلك تفضّل النّحو على مجالس الذّكر ، وتختار [ذلك] (٣)؟! اصحبنا نصيّرك سيبويه.
وقال : حكى شيخنا أحمد بن ظفر بن الوزير ابن هبيرة قال : سألت جدّي أن يأذن لي إلى الشّيخ عبد القادر ، فأذن لي ، وأعطاني مبلغا من الذّهب ، وأمرني أن أدفعه إليه ، وتقدم إليّ بالسّلام عليه. فحضرت ، فلمّا انقضى المجلس ونزل عن المنبر ، سلّمت عليه ، وتحرّجت من دفع الذّهب
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٨ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٧.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٩ ، الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٢٩٩.
(٣) في الأصل بياض ، والمضاف من : سير أعلام النبلاء ٢٠ / ٤٤٩.