أيضا ، كما في قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) أي جاهلين. فمن هذه الجهة لا فرق بينها وبين الأصول العملية.
بل الفرق بين الأمارات وغير الاستصحاب من الأصول ظاهر ، فانها وظائف عملية للشاك. وأما الفرق بينها وبين الاستصحاب ، والوجه في تقدمها عليه ، فبيانه موكول إلى محله من تنبيهات الاستصحاب ، فلا وجه للتعرض له فعلا.
وإنما المهم بيان سر حجية مثبتات الأمارات دون الاستصحاب. وقد ذكر في ذلك وجوه :
منها : ما في الكفاية (٢) من عدم المقتضي لحجية المثبتات في الاستصحاب ، بخلاف الأمارات ، بيانه : ان مفاد أدلة الاستصحاب انما هو إبقاء اليقين السابق تعبدا ، ومن الظاهر ان لازم المستصحب لم يتعلق به اليقين ، كما ان رفع اليد عن ترتيب آثاره الشرعية ليس نقضا لليقين بالملزوم بالشك فيه.
وبعبارة أخرى : التعبد بعدم نقض اليقين وبقاء المشكوك في الموضوعات انما هو بلحاظ الآثار الشرعية المترتبة على نفس المتيقن ، إذ لا يعقل التعبد ببقاء الموضوع إلّا بلحاظ الأثر الشرعي المترتب عليه فلا بد في ترتيبه. وأما آثار لازمه العقلي أو العادي المترتبة عليه شرعا كالقصاص المترتب على القتل فليس عدم ترتيبها من نقض اليقين بالشك ، إذ ليست هي أثرا شرعيا للمتيقن حتى بنظر العرف ليكون التعبد ببقائه مقتضيا لترتيبه.
ودعوى : ان أثر الأثر أثر بقياس المساواة ، انما يتم فيما إذا كان جميعها من سنخ واحد ، أي كان جميع الآثار تكوينيا أو شرعيا ، مثلا إذا كان شيء علة لمعلول
__________________
(١) النحل : ٤٣.
(٢) كفاية الأصول : ٢ ـ ٣٢٧.