وتوضيح الفرق بينهما ان في موارد التعبد يتحقق أمران : أحدهما : نفس التعبد ، فانه يوجد بوجود تكويني خارجي ، ثانيهما : المتعبد به ، فانه يثبت بثبوت تعبدي ، وهذا هو الشأن في جميع الأمور التعلقية ، كالفرض والتنزيل ونحوه ، فإذا تحقق التنزيل في الخارج فنفس التنزيل يوجد بوجود تكويني ، ويثبت المنزل بوجود تنزيلي ، وهكذا في الفرض. وبين وجود التعبد وثبوت المتعبد به وان كان ملازمة ، إلّا انه يمكن الفرق بين الحيثيتين ، فان كان انتفاء موضوع الدليل الآخر من حيث ثبوت نفس التعبد كان واردا عليه. وإن كان بلحاظ ثبوت المتعبد به كان حاكما عليه.
والأول : كتقدم الأمارات على الأصول العملية العقلية في البراءة العقلية ، والاشتغال والتخيير العقليين. وذلك لأن موضوع قبح العقاب بلا بيان هو عدم البيان ، وموضوع الاشتغال العقلي احتمال الضرر ، وموضوع التخيير التحير في مقام اللابدية من الفعل والترك ، وعدم إمكان الجمع بينهما ، لاستلزامه اجتماع النقيضين ، مع دوران الأمر بين الوجوب والحرمة ، وعدم مرجح في البين. فإذا تعبدنا الشارع بالفعل أو الترك مثلا ، فبنفس التعبد يكون بيانا ومؤمنا من الضرر ، ورافعا للتحير ، ومرجحا في مقام العمل.
والثاني : كتقدم الأمارات على الأصول الشرعية من البراءة والاستصحاب ، فان موضوعها الشك ، وهو ينتفي تعبدا بلحاظ ثبوت مؤدى الأمارة.
توضيحه : انّ كل قضية ، سواء كانت خبرية أو إنشائية لا تتكفل إثبات موضوعها ، بل مفادها ثبوت الحكم على الموضوعات المفروضة ، مثلا قوله : الخمر حرام لا يثبت ان المائع المشكوك خمر أو ليس بخمر ، وانما يثبت الحرمة على الخمر الواقعي ، فإذا كان هناك دليل آخر ينفي الموضوع ، أي ذاك التقدير تعبدا ،