أما الصورة الأولى : فكما إذا علمنا بأن المتعاملين لا يعلمان حكم الرّبا ، ولكن مع ذلك احتملنا ان المتماثلين في الجنس من الموزون لم يزد أحدهما على الآخر من باب الاتفاق. والظاهر عدم تحقق السيرة على الحمل على الصحة في مثل ذلك.
ومن هذا القبيل الجهل بالموضوع ، سواء كان عذرا للفاعل أو لم يكن ، لاقترانه بالعلم الإجمالي ، كما إذا علمنا بان المشتري لا يعلم بأن أحد اللحمين ميتة ، فاشترى أحدهما ، واحتملنا كون ما اشتراه من باب الصدفة هو المذكى.
أما الصورة الثانية : فالظاهر جريان أصالة الصحة فيها ، لقيام السيرة على الحمل على الصحة في مثل ذلك. بل أغلب مواردها من هذا القبيل.
وأما الصورة الثالثة : فتارة : ينحل حكم المسألة بحسب نظر الحامل والفاعل ، بأن كان أحدهما مقلدا للآخر ، أو مقلدين لشخص واحد. وهذا هو المتيقن من مورد أصالة الصحة.
وأخرى : يختلف الحكم بالتباين بحسب نظريهما ، بمعنى ان ما يراه الحامل شرطا يراه الفاعل مانعا ، كما إذا كان الفاعل مسافرا إلى أربعة فراسخ ، ويريد الرجوع ليومه ، ويرى كونه موجبا لقصر الصلاة ، والحامل لا يراه موجبا له ، فان الركعتين الأخيرتين بنظر الفاعل شرط ، وبنظر الحامل مانع. وفي مثله لا مجال لأصالة الصحة ، فان حمل فعل الغير على الوجه الحسن المشروع ينافي حمله على ما يراه فاسدا ، ولو كان هو الصحيح بنظر الحامل.
وثالثة : لا يكون اختلاف الحكم بالتباين ، بل يرى الحامل شيئا شرطا في العمل ، ولا يراه الآخر شرطا ، كالسورة في الصلاة ، ولا مانعا. وفي مثله وان أمكن إجراء أصالة الصحة ، كما ذكره الشيخ (١) ، إذ يحتمل ان الفاعل أتى بذاك الشرط
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٢١ (ط. جامعة المدرسين).