وذلك لأنّ الثابت في موارد التعبد أمران ، أحدهما : نفس التعبد ، وثبوته وجداني. والثاني : متعلق التعبد المعبر عنه بالمتعبد به ، فان التعبد من الأمور التعلقية ، وثبوته تعبدي ، فإذا فرضنا تقيد موضوع دليل بعدم التعبد فلا محالة يرتفع ذلك الموضوع بنفس ورود التعبد ، فقاعدة قبح العقاب بلا بيان موضوعها عدم البيان ، وهو يرتفع بمجرد ثبوت التعبد ، لأنه بيان. وكذا وجوب دفع الضرر المحتمل عقلا ، فانه احتمال الضرر يندفع حقيقة بالتعبد ، لأنه مؤمن من الضرر. وهكذا اللاحرجية العقلية في مورد التحير ودوران الأمر بين المحذورين ، لقبح الترجيح بلا مرجح ، فانه يرتفع حقيقة بمجرد التعبد بأحد المحتملين. فلا تنافي في شيء من هذه الموارد.
وأما الحكومة ، فهي عبارة عن كون أحد الدليلين ناظرا إلى الآخر ، اما بمدلوله المطابقي بأن يكون شارحا بكلمة أي أو أعني ، كما في قوله عليهالسلام «انما عنيت بذلك الشك بين الثلاث والأربع» واما بأن يكون لغوا لو لا دليل المحكوم كقوله عليهالسلام «لا ربا بين الوالد والولد» إذ لا مجال له لو لم يكن دليل حرمة الرّبا ، أو كونه رافعا لموضوع الدليل الآخر تعبدا. وفي الفرض الأول قد يكون الدليل الحاكم ناظرا إلى عقد وضع دليل المحكوم ، كما في المثال ، فان قوله «لا ربا بين الوالد والولد» يكون نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع ، فهو بمنزلة أن يقول ان المراد بالربا في دليل الحرمة هو غير الرّبا بين الوالد والولد ، فيكون هذا الفرد من الرّبا خارجا عن موضوع دليل الحرمة ، لكن تعبدا لا حقيقة. وقد يكون ناظرا إلى عقد الحمل ، كقوله عليهالسلام «لا ضرر ولا ضرار» (١) أو قوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) فانه في قوة أن يقول ان الأحكام الواقعية ما لا ينشأ منها الضرر أو الحرج.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٧ ـ باب ١٢ من أبواب إحياء الموات ، ح ٣.
(٢) الحج : ٧٨.