وبالجملة إذا كان الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم وشارحا له بمدلوله المطابقي ، باشتماله على أداة التفسير ، أو من جهة لزوم لغويته لو لا وجود الدليل المحكوم ، فلا محالة يتقدم عليه ولو كان بينهما عموم من وجه ، لعدم التنافي بينهما ، سواء كان ناظرا إلى عقد وضع المحكوم أو إلى عقد حمله.
وكذا الحال في القسم الثاني من الحكومة ، وهي ما إذا لم يكن الدليل الحاكم ناظرا وشارحا للدليل المحكوم ، ولم يكن لغوا ولو لم يكن الدليل المحكوم ، إلّا انه كان نافيا لموضوع الدليل المحكوم تعبدا ، كما في أدلة حجية خبر الواحد في الشبهات الحكمية ، ودليل حجية البينة في الموضوعات ، بالإضافة إلى أدلة الأصول العملية الشرعية من البراءة والاستصحاب وقاعدة الفراغ ، فان المصلي إذا شك بعد الفراغ في انه أتى بالركوع أم لم يأت به ، وقامت البينة على إتيانه به لم يكن موردا لقاعدة الفراغ ، إذ بعد قيام البينة ليس بشاك في الركوع تعبدا ، لحكم الشارع بأنه عالم به بعد قيام البينة عليه ، فيكون موضوع القاعدة متيقنا تعبدا.
والسر في عدم التنافي بين الدليل الحاكم والمحكوم هو ان الدليل المحكوم يكون من قبيل القضايا الحقيقية ، غير متكفلة لإثبات موضوعه ، بل مفاده ثبوت الحكم على الموضوعات المفروضة وجودها ، فلا ينافيه انتفاء الموضوع في مورد.
وأما التخصيص ، فكذلك لا يكون الدليل المخصص منافيا للدليل المخصص.
توضيحه : ان دليلية الدليل يتوقف على أمور ثلاثة :
الأول : صدوره ممن يجب اتباعه ، كالنبي ووصيه. والمتكفل لإثباته في غير مقطوع الصدور انما هو بحث حجية الخبر.
الثاني : إرادة المتكلم به التفهم ، وكشف ما يكون ظاهرا فيه بنفسه بالوضع ، أو بمعونة القرائن المحتفة به ، بحيث أمكن اسناد قصد تفهيم المعنى إليه. والمتكفل له أصالة الحقيقة والظهور.