الحكمين. وهذا التزاحم قد يكون بين وجوب وحرمة ، كما إذا توقف إنقاذ الغريق على الغصب ، وقد يكون بين وجوبين ، كما في إنقاذ غريقين لا يمكن المكلف من إنقاذهما. وهذا التزاحم أجنبي عن التزاحم بالمعنى الأول ، ولذا يتحقق على مسلك الأشاعرة المنكرين لتبعية الأحكام للملاكات ، وعلى مسلك من يرى الملاك في نفس الحكم لا في متعلقه.
وكيف كان التزاحم بين حكمين يكون ناشئا من عجز المكلف عن إتيان كلا الأمرين ، وتعلق قدرته بالجامع بينهما المعبر عنه بأحدهما ، فلا يوجب تنافيا بين دليلي الحكمين ، لأن كلا منهما مشروط بالقدرة ، اما بحكم العقل ، أو بإصفاء نفس الخطاب ، على الخلاف بيننا وبين الميرزا قدسسره ، فليس شيء منهما متكفلا لإثبات القدرة في مورد ونفيها ، فثبوت كلا الحكمين مشروطا بالقدرة لا ينافي عجز المكلف عن امتثال أحدهما. فالتزاحم لا يوجب التنافي بين الدليلين والحكمين في مرحلة الجعل. بخلاف التعارض ، فان التنافي فيه بين الدليلين في مرحلة الجعل. كما ان تقديم أحد المتزاحمين بصرف المكلف قدرته فيه انما يوجب انتفاء موضوع الآخر ، وهو القدرة ، فلا يكون فعليا ، بخلاف المتعارضين ، فان تقديم كل منهما على الآخر يقتضي انتفاء حكمه رأسا. وتفصيل الكلام في مرجحات التزاحم تقدم في بحث الترتب.
وبما ذكر ظهر أن تأسيس الأصل عند الشك في ان التنافي من قبيل التعارض أو التزاحم مما لا وجه له ، إذ لا جامع بينهما ليشك في ذلك. وكأنّ الميرزا قدسسره يقول (١) هذا الترديد وتأسيس الأصل ، نظير أن يقال : ما هو مقتضى الأصل إذا شك في إباحة الماء وصحة الفضولي.
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٥٠٥.