وبما بيناه ظهر فساد ما ذهب إليه في الحدائق ، وتبعه فيه صاحب الكفاية (١) ، من الرجوع إلى المرجحات أو التخيير في العام والخاصّ والمطلق والمقيد ، لثبوت التنافي بين مدلوليهما ، وان لم يكن بينهما تناف في مقام الدلالة والإثبات.
وذلك لما عرفت من عدم تمامية دلالة العام في العموم ، فليس العموم مدلولا له لينافي مدلول الخاصّ.
هذا كله في بيان معنى التعارض.
وأما التزاحم ، فتارة : يكون في ملاكات الأحكام ، كما إذا ثبت في مورد ملاك الوجوب وهي المصلحة وملاك الحرمة وهي المفسدة أو ملاك الإباحة ، فان الإباحة بالمعنى الأعم أي عدم الإلزام ، قد تكون ناشئة من مصلحة ، كما يظهر من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «لو لا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك» (٢) كما قد تكون ناشئة من عدم المقتضي للإلزام ، أي من عدم وجود المصلحة والمفسدة ، كما في الإباحة المصطلحة.
وكيف كان قد يكون التزاحم في الملاكات ، ويكون الترجيح وعدمه بيد المولى ، فان رأى رجحان المصلحة على المفسدة رجحها ، وإذا انعكس انعكس ، وإلّا حكم بالإباحة. والتزاحم بهذا المعنى لا ربط له بالتعارض أصلا. وهو خارج عن محل الكلام ، حيث لا ربط له بالمكلف رأسا ، إذ ليس البحث عن ملاكات الأحكام من وظائف العبد ، وانما وظيفته امتثال أوامر المولى ، ولذا ليس له مخالفة الأمر متعذرا بأنّه لم ير مصلحة في المأمور به ، أو تخيل المفسدة فيه. ويشهد لهذا مراجعة الموالي والعبيد العرفية ، والقوانين الدولية.
وربما يكون التزاحم في مرحلة الامتثال ، لعجز المكلف عن امتثال كلا
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٣٨١.
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ باب ٣ من أبواب السواك ، ح ٤.