مورد الافتراق عن تحت أحدهما ، لكونه مخصصا له ، فلا محالة تنقلب النسبة بين الدليلين إلى العموم المطلق. مثلا إذا ورد يستحب إكرام العلماء ، وفي دليل آخر يحرم إكرام الفساق ، فبينهما عموم من وجه ، ومورد اجتماعهما هو العالم الفاسق ، فانه يستحب إكرامه بمقتضى الأول ، ويحرم بمقتضى الثاني ، فإذا ورد في دليل ثالث يجب إكرام العلماء العدول ، فهو أخص من دليل استحباب إكرام العالم ، فيخصصه بالعالم الفاسق ، فيصير أخص من دليل حرمة إكرام الفساق ، فهل يخصصه أو لا يمكن ذلك ، بل لا بد من ملاحظة حال الدليلين في نفسهما؟ وإذا كان مقتضى القاعدة فيها التساقط سقطا ، ويرجع إلى الأصول.
ذهب صاحب الكفاية (١) تبعا للشيخ (٢) إلى الثاني ، بدعوى : ان المعارضة انما تكون بين ظهورات الأدلة ، وتقديم أحد الدليلين على الآخر عند المعارضة أي القرينة المنفصلة لا يوجب سقوط ظهوره ، وانما يوجب سقوطه عن الحجية.
والصحيح : هو الثاني. وبما انه يترتب على هذه المسألة فروع مهمة كثيرة ، لا بد من تنقيحها ببيان مقدمتين :
المقدمة الأولى : ما تقدم في بحث العام والخاصّ ، وحاصله : ان دلالة اللفظ تكون على أنحاء ثلاثة :
الأولى : انتقال العالم بالوضع من سماع اللفظ إلى معناه ، المعبر عنها بحسب اصطلاح القوم بالدلالة الوضعيّة. ونحن عبرنا عنها بالدلالة الأنسية ، لعدم كونها مستندة إلى الوضع ، وانما هي ناشئة من أنس اللفظ مع المعنى ، لكثرة استعماله فيه ، ولذا تتحقق بمجرد سماع اللفظ ، ولو كان من حيوان ، أو استكاك حجر بحجر ، أو إنسان لم يكن في مقام البيان ، أو نصب القرينة على عدم إرادته من اللفظ ، كما في
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢ ـ ٤٠٦.
(٢) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٩٤ ـ ٧٩٦ (ط. جامعة المدرسين).