وأما دعوى وجوب التجزي ، فان أراد به الوجوب العادي فتامة ، لأنه بحسب العادة تحصل الملكة والاستنباط الفعلي للإنسان تدريجا. وان أراد به الوجوب العقلي ، فقد ظهر فسادها مما بيناه من ان استنباط كل فرع أو القوة عليه فرد من افراد الاجتهاد ، وليس بينها ترتيب ، كما في اجزاء الصلاة ، ليلزم من حصولها دفعة واحدة الطفرة المحال ، فيمكن عقلا حصولها بأجمعها لشخص دفعة واحدة ولو بالإعجاز على خلاف العادة.
فالصحيح : إمكان التجزي عقلا ، ووجوبه عادة.
وأما المقام الثاني : فتارة : يقع الكلام في حكم المتجزي نفسه. وأخرى : في حكم الغير معه.
أما حكم نفسه فلا يجوز له الرجوع إلى الغير فيما استنبطه من الحكم ، خصوصا إذا كان مخالفا له في الفتوى ، لأنه عالم يرى خطأ غيره ، فكيف يرجع إليه ، وأدلة التقليد لا تشمله قطعا ، ولا يعمه قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) وقوله عليهالسلام «فللعوام أن يقلدوه» (٢).
وأما رجوع الغير إليه في التقليد فالظاهر عدم جوازه ، حتى لو بنينا على ان مدرك التقليد بناء العقلاء ، وذلك لأن بنائهم انما يكون حجة فيما إذا كان ممضى شرعا ، ودليل الإمضاء لا يعمه ، لأن العنوان المأخوذ فيه هو عنوان الفقيه وأهل الذّكر ونحو ذلك ، مما لا يعم المتجزي إلّا إذا كان مجتهدا في معظم الأحكام ، وان لم يكن مجتهدا في خصوص بعض المسائل المبتنية على المسائل العقلية الغامضة.
وبما ذكرناه ظهر الحال في حكمه وقضائه ، فان المأخوذ في أدلته عنوان العارف والعالم كما تقدم ، وهو لا يصدق إلّا إذا كان مجتهدا في معظم الأحكام.
__________________
(١) النحل : ٤٣.
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٠.