وأما توقفه على علم الأصول ، فهو أظهر من أن يخفى ، من غير فرق بين مباحث الألفاظ والأصول العملية ، فلا بد للمجتهد من ان يكون عارفا بمبحث الأوامر والنواهي ، وبحث العام والخاصّ ، وان إجمال المخصص سرى إلى العام أو لا ، إلى غير ذلك. كما لا بد له من معرفة حجية الخبر ، وأن المرجع في الشبهات هو البراءة أو الاحتياط ، وان الاستصحاب حجة أو لا ، ومبحث التعادل والتراجيح.
ثم ان المجتهد قد يكون مصيبا للحكم الواقعي. وقد يكون مخطئا.
نعم هو مصيب دائما في الحكم الظاهر أعني الحجة ، كما انّه عالم به ، ومن هنا أخذوا العلم في تعريف الفقه. وأما الحكم الواقعي فهو كالأحكام العقلية ، كإمكان اجتماع الأمر والنهي ، وأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده أو لا ، وغير ذلك من الأحكام العقلية ، سواء كانت من مبادئ الفقه أم لم يكن ، فانها أمور واقعية ربما يصيبها المجتهد ، وربما يخطئها. كما ان في مورد اختلاف رأي المجتهدين لا يمكن ان يكونا معا مصيبين ، فالقول بالتصويب في الأحكام الواقعية فاسد ، وقد نسب ذلك إلى بعض العامة ، ويدفعه إطلاقات أدلة الأحكام ، فانها تعم العالم والجاهل ، لشبهة حكمية أو موضوعية ، والاخبار الواردة في اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل ، وان لم تكن متواترة والإجماع على ذلك.
وأما ما ذكره ابن قبة من ان اشتراك الأحكام الواقعية بين العالم والجاهل يستلزم تفويت المصلحة ، أو الإلقاء في المفسدة ، فيما إذا قامت الأمارة على خلاف الواقع ، كما يستلزم ذلك اجتماع الضدين ، والمصلحة والمفسدة ، وتحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، فقد أجبنا عن ذلك كله في محله ، وبينا ان ذلك لا يستلزم شيئا من المحاذير المذكورة ، ولا نعيد.
هذا كله في الاجتهاد.