الاستصحاب أعني المنع عن نقض اليقين بالشك أمران ، اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة ، وإلّا فليس رفع اليد عن اليقين السابق من نقض اليقين بالشك ، بل يكون من نقض اليقين بمثله ، واختلاف بعض خصوصيات الموضوع من الأمور العدمية أو الوجودية ، ليحصل به الشك ، وإلّا فاليقين باق على حاله ، ولا يزول إلّا بنحو الشك الساري الخارج عن محل الكلام ، واجتماع الأمرين مستحيل إلّا إذا كان الميزان في ذلك بنظر العرف.
وعليه إن كان دليل الحكم شرعيا ، فقد يفهم العرف من الدليل أو بمناسبة الحكم والموضوع كون الخصوصية المتبدلة مقومة للموضوع ، ومن قبيل الواسطة في العروض للحكم ، كالعدالة بالإضافة إلى وجوب قبول شهادة العادل ، أو ملكة الاجتهاد في وجوب تقليد العالم ، فانها بنظر العرف هي الموضوع لوجوب التقليد ، بحيث لو أمكن وجودها مستقلا لوجب تقليدها. كما قد يفهم العرف كون الخصوصية من الحالات ، أي الواسطة في الثبوت ، كالتغير في الماء المتنجس ، فان النجاسة كالحرارة والبرودة عارضة لذات الماء عرفا لملاقاته النجس مع التغير ، فيجري فيه الاستصحاب ، لاتحاد القضيتين عرفا ، ولا يجري في الأول ، لعدم اتحادهما. وقد يشك العرف في ذلك ، أي في كون الخصوصية الزائلة من أي القسمين ، كما في السفر بالقياس إلى التقصير إذا كان المكلف مسافرا في أول الوقت ، فصار حاضرا قبل أن يصلي ، فلا يجري فيه الاستصحاب أيضا ، إذ التمسك فيه بعموم المنع عن نقض اليقين بالشك من التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية. هذا إذا كان دليل الحكم شرعيا.
وأمّا إذا كان مدركه حكم العقل ، فلا يجري فيه هذا البيان. وتوضيحه بمقدمتين :
الأولى : ان الحاكم الملتفت سواء كان هو الشرع أو العقل يستحيل أن يكون