الأول : تصور تلك المقولات المتباينة بلحاظ واحد ، وهذا التصور وان كان جعلا لها ، إلّا أنه جعل تكويني في وعاء الذهن لا تشريعي كالجعل الخارجي ، غاية الأمر في وعاء الخارج يوجد كل جزء من اجزائها بوجود مستقل ، لأنها مقولات متباينة ، ولكن في الذهن توجد جميعها بوجود واحد ، فالتصور إيجاد تكويني لا تشريعي.
الثاني : تصديق المولى بترتب غرض واحد على مجموع تلك الأجزاء ودخلها في ملاك واحد. والتصديق أيضا كالتصور أمر تكويني ، كما انّ دخل الأجزاء المتباينة في غرض واحد تكويني أجنبي عن الجعل والاختراع.
الثالث : أمره بها ، وهو حكم تكليفي ، لا جعل الماهية واختراعها تشريعا.
فالصحيح انحصار مجعولات الشريعة بالأحكام. كما عرفت عدم الانحصار في الحكم التكليفي ، بل الأحكام الوضعيّة أيضا مجعولة اما استقلالا واما بالتبع.
ثم ان الأحكام التكليفية كما يمكن أن تكون مجعولة تارة : بنحو القضايا الحقيقية التي يكون الحكم فيها ثابتا للموضوعات المفروض وجودها وهو الغالب ، وأخرى : بنحو القضية الخارجية الشخصية ، كأمر النبي أو الوصي شخصا بشيء بما أنه شارع وجاعل للحكم ، مثل أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بتنفيذ جيش أسامة ، ولعن من تخلف عنه ، فيجب على المأمور اتباعه ، فان هذا الفرض هو المتيقن من قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) وإن كان الصحيح وجوب امتثال أمرهم مطلقا ، كذلك الأحكام الوضعيّة ربما تكون مجعولة على نحو القضايا الحقيقية كقوله (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ويمكن ان تكون مجعولة بنحو القضايا الخارجية ، كجعل الولاية والوصاية ونحوها لأشخاص خاصة.
فما ذكره المحقق النائيني من انحصار الحكم الوضعي بما هو مجعول بنحو القضية
__________________
(١) التوبة : ٢٧٥.