وأما على المعروف من جريانه في الشبهات الحكمية والأحكام الكلية ، فدليل الاستصحاب بعنوانه الواحد متكفل لجهتين بحسب انطباقه على الموارد المختلفة ، من غير ان يستلزم منه استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، كحديث الرفع الشامل للشبهات الحكمية والموضوعية ، ودليل حجية الخبر بناء على شموله للموضوعات. فمن حيث جريانه في الشبهات الموضوعية يكون الاستصحاب قاعدة فقهية ، ومن حيث جريانه في الشبهات الحكمية مسألة أصولية ، ويكون الميزان فيه بيقين المجتهد وشكه ، فإذا شك المجتهد في حرمة وطئ الحائض بعد انقطاع دمها قبل ان تغتسل ، أجرى استصحاب الحرمة ، ولو كان المقلد غافلا عن ذلك رأسا ، ويكون أثر الاستصحاب للمجتهد جواز الإفتاء بالحرمة ، كما جاز له الإفتاء بها عند علمه بالحرمة ، فيرجع إليه المقلد بمقتضى أدلة وجوب التقليد ورجوع العامي إلى العالم.
الجهة الثالثة : لا ريب في ان صفتي اليقين والشك متضادتان ، بل بلحاظ الخصوصية المأخوذة في كل منهما متناقضتان ، فان اليقين متقوم بعدم احتمال الخلاف ، والشك متقوم باحتماله ، فكل منهما متقوم بنقيض ما يتقوم به الآخر ، فيستحيل تعلقهما بشيء واحد في زمان واحد ، بل لا بد من ثبوت جهة اختلاف في نفس الصفتين ، أو في متعلقهما.
أما الاختلاف في المتعلق فتارة : يكون بالتباين من جميع الجهات ، كتعلق اليقين بعدالة زيد والشك باجتهاده ، وهو خارج عن دليل المنع عن نقض اليقين بالشك بالبداهة.
وأخرى : يتحد متعلقيهما ذاتا ، ويكون اختلافهما من حيث الزمان بسبق زمان أحد المتعلقين على الآخر. وحينئذ إن كان زمان المتيقن سابقا على زمان المشكوك ، بأن تعلق اليقين بالحدوث ، والشك بالبقاء ، فهو مورد الاستصحاب