المتعارف. وان انعكس الأمر ، بان كان المشكوك سابقا ، والمتيقن لا حقا ، فهو مورد الاستصحاب القهقرى ، الّذي لا دليل عليه ، لا من الاخبار ولا من بناء العقلاء ، إلّا في باب الظهورات ، ومن صغرياته أصالة عدم النقل ، وإلّا لانسد باب التمسك بظواهر الأخبار والآيات ، لاحتمال عدم كونها ظاهرة حين صدورها فيما هي ظاهرة فيه فعلا ، وكذا الحال في السجلات والأوراق القديمة.
وثالثة : يكون اتحادهما من حيث كون المتيقن من أجزاء علة المشكوك ، وهو مورد قاعدة المقتضي والمانع ، كما إذا تيقن بثبوت المقتضي بشيء وشك في وجود مقتضاه ، لاحتمال وجود المانع. وكل من اليقين والشك في الفرض وان تعلق بغير ما تعلق به الآخر إلّا انه لمكان الارتباط بين المتعلقين أمكن دعوى دخوله تحت الأدلة ، ولزوم ترتيب آثار تحقق المقتضى ـ بالفتح ـ.
ثم ان المقتضي والمانع قد يراد بهما التكوينيان كالنار المقتضية للحرارة ، والرطوبة المانعة عنها ، ومثاله الشرعي صب الماء على البشرة للغسل أو الوضوء مع احتمال وجود الحاجب ، فان الصب مقتضى للوصول ، والحاجب مانع عنه ، ومثله صب الماء على الحشفة بعد البول مع احتمال خروج المذي المانع عن الوصول.
وقد يراد بالمقتضي موضوع الحكم ، وبالمانع ما اعتبر عدمه ، كما إذا لاقى المتنجس ماء يحتمل كريته ، فان الملاقاة مقتضي للسراية شرعا ، والكرية مانعة عنها ، فالقائل بحجية القاعدة يحكم بنجاسته. وسر التعبير عن الموضوع بالمقتضي عدم انفكاكه عن الحكم ، فكأنه مقتضى له ، وهو غير خال عن المسامحة ، فان مقتضى الحكم حقيقة إرادة الحاكم واختياره.
وثالثة يراد بالمقتضي المصلحة الداعية لجعل الحكم ، ومن المانع ما يزاحمها من المفسدة. وهذا أيضا لا يخلو عن عناية ، فان المصلحة بوجودها الخارجي غاية للحكم ، نعم بوجودها العلمي مقتضي له.