فبطلانه من أوضح الواضحات ؛ لأنّ لازم ذلك تمكّن كلّ شخص من الإحاطة بتمام اللّغات ، فضلا عن لغة واحدة.
وأمّا لو كان المراد من المناسبة الذاتيّة أن يكون سماع اللّفظ مقتضيا لانتقال الذهن إلى معناه ففيه : أنّ ذلك وإن كان بمكان من الإمكان ثبوتا وقابلا للنزاع ، إلّا أنّه لا دليل على تحقّقها كذلك في مرحلة الإثبات ، فلا يمكن الالتزام بها.
ويستفاد من كلمات الأعاظم دليلان لإبطال هذا الاحتمال : أحدهما : من كلمات الإمام ـ دام ظلّه ـ ، والآخر : من كلمات بعض الأعلام.
قال الإمام ـ دام ظلّه ـ (١) : ثمّ إن دعوى وجود المناسبة الذاتيّة بين الألفاظ ومعانيها كافّة قبل الوضع ممّا يبطله البرهان المؤيّد بالوجدان ؛ إذ الذات البحت البسيط التي لها عدّة أسماء متخالفة من لغة واحدة أو لغات ، إمّا أن يكون بجميعها الربط بها ، أو لبعضها دون بعض ، أو لا ذا ولا ذاك. فالأوّل يوجب تركّب الذات وخروجها من البساطة المفروضة ، والأخيران يهدمان أساس الدعوى.
وقال بعض الأعلام (٢) : إنّه لا يعقل تحقّق المناسبة المذكورة بين جميع الألفاظ والمعاني ؛ لاستلزام ذلك تحقّقها بين لفظ واحد ومعاني متضادّة أو متناقضة ، كما إذا كان للفظ واحد معان كذلك ، كلفظ «جون» الموضوع للأسود والأبيض ، ولفظ «القرء» للحيض والطهر ، وغيرهما ، وهو غير معقول.
وأمّا الدليل الذي أقاموه لنفي مدخليّة الوضع فهو : لو لا هذه المناسبة بين
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ١٤.
(٢) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٣٢ ـ ٣٣.