الألفاظ والمعاني لكان تخصيص الواضع لفظا مخصوصا لكلّ معنى بلا مرجّح ، وهو محال كالترجح بلا مرجّح ، أي وجود حادث من دون سبب وعلّة.
وفيه : أوّلا : أنّ المحال هو الثاني دون الأوّل ؛ إذ لا إشكال في اختيارنا أحد أواني الماء ، مع أنّه ترجيح من غير مرجّح ، بل لا قبح فيه فضلا عن الاستحالة.
وثانيا : سلّمنا امتناع الترجيح بلا مرجّح ، إلّا أنّ المرجّح غير منحصر بالمناسبة المذكورة ، بل يكفي فيه وجود مرجّح ما كسهولة أداء اللفظ أو حسن تركيبه أو غير ذلك وإن كان أمرا اتّفاقيّا ؛ ضرورة أنّ العبرة إنّما هي بما لا يلزم معه الترجيح بلا مرجّح ، سواء كان ذاتيّا أو اتّفاقيّا ، فلا يكون الارتباط بين اللفظ والمعنى ارتباطا ذاتيّا.
إذا عرفت أنّ دلالة الألفاظ على المعاني لا تكون ذاتيّة ، بل تحتاج إلى وضع الواضع ، فنقول : إنّ العلماء اختلفوا من قديم الأيّام في أنّ الواضع هل هو الله تعالى أو البشر؟ وعلى الثاني هل هو واحد أو متعدّد؟ وأكثر علماء العامّة والمحقّق النائيني قائلون بأنّ الواضع هو الله تعالى ، ويستفاد من كلمات القائلين بهذا القول نوعان من الأدلّة ، يكون لأحدهما لسان الإثبات ، وللآخر لسان نفي الوضع من البشر ، والمهمّ من الأدلّة الإثباتيّة دليلان :
الأوّل : قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(١).
وتقريب الاستدلال : أنّ لازم تعليم الأسماء سبق الوضع عليه ؛ إذ لا معنى للأسماء والمسمّيات قبل تحقّق الوضع ، وإذا استفيد تقدّم الوضع على التعليم فلا بدّ من تحقّق الوضع لجميع الأشياء قبل خلقة البشر بواسطة الله تعالى.
__________________
(١) البقرة : ٣١.