إن كان هذا العدد زوجا فهو منقسم إلى المتساويين ، وإن كان فردا فهو غير منقسم كذلك ، فالملازمة بين زوجيّة العدد وانقسامه إلى متساويين وبين فرديّته وعدم انقسامه كذلك ثابتة في نفس الأمر والواقع أزلا ، غاية الأمر أنّ تلك الملازمة ذاتيّة أزليّة ، وهذه الملازمة جعليّة اعتباريّة ، لا بمعنى أنّ الجعل والاعتبار مقوّم لذاتها وحقيقتها ، بل بمعنى أنّه علّة وسبب لحدوثها وبعده تصير من الامور الواقعيّة. وكونها جعليّة بهذا المعنى لا ينافي تحقّقها وتقرّرها في لوح الواقع ونفس الأمر ، وكم له من نظير.
وقد حققنا في محلّه أنّ هذه الملازمات ليست من سنخ المقولات في شيء كالجواهر والأعراض ، فإنّها وإن كانت ثابتة في الواقع في مقابل اعتبار أيّ معتبر وفرض أي فارض كقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١) ، فإنّ الملازمة بين تعدّد الآلهة وفساد العالم ثابتة واقعا وحقيقة ، إلّا أنّها غير داخلة تحت شيء منها ، فإنّ سنخ ثبوتها في الخارج غير سنخ ثبوت المقولات فيه ، كما هو واضح.
وأشكل عليه بعض الأعلام بأنّه قدسسره إن أراد بوجود الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له وجودها مطلقا حتّى للجاهل بالوضع فبطلانه من الواضحات التي لا تخفى على أحد ، فإنّ هذا يستلزم أن يكون سماع اللفظ وتصوّره علّة تامّة لانتقال الذهن إلى معناه ، ولازمه استحالة الجهل باللغات ، مع أنّ إمكانه ووقوعه من أوضح البديهيّات.
وإن أراد قدسسره به ثبوتها للعالم بالوضع فقط دون غيره فيرد عليه : أنّ الأمر وإن كان كذلك ـ يعني : أنّ هذه الملازمة ثابتة له دون غيره ـ إلّا أنّها ليست
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.