بحقيقة الوضع ، بل هي متفرّعة عليها ومتأخّرة عنها رتبة ، ومحلّ كلامنا هنا تعيين حقيقة الوضع التي تترتّب فيها الملازمة بين تصوّر اللفظ والانتقال إلى معناه.
أقول : لا يخفى عليك أنّ أساس هذا الإشكال باطل ؛ إذ الواضع أوجد الملازمة بين اللفظ والمعنى واقعا ، ولا ربط له بالعالم والجاهل ، كالملازمة الواقعيّة التي بيّنها في الآية : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ، ولكن يبقى الإشكال بأنّه ليس في كلام بعض الأعاظم كلمة «الإيجاد».
نعم ، يمكن أن يكون مراده قدسسره هذا ، ولكنّ كلامه قدسسره مخدوش من جهة اخرى ، فإنّه لا يعقل لنا تصوّر الملازمة التي كانت لها من ناحية الحدوث سابقة العدم ، ومن ناحية البقاء واقعيّة أزليّة ، فكيف يمكن هذا مع أنّ نفس عمل الواضع له عنوان اعتباري؟! فلا بدّ من كونها إمّا حدوثا وبقاء أزليّة ، وإما حدوثا وبقاء اعتباريّة ، مع أنّه لا يوجد باعتبار معتبر واقعيّة أزليّة.
القول الثالث : وهو لجماعة من العلماء ، منهم صاحب كتاب منتهى الاصول (١) ، وهو : أنّ الوضع عبارة عن الهوهويّة والاتّحاد بين اللفظ والمعنى في عالم الاعتبار.
توضيحه : أنّ هذه الهوهويّة والاتّحاد ملاك للحمل في القضايا الحمليّة ، مثل : «زيد قائم» ؛ إذ لا يكون بينهما نسبة متحقّقة ، فإنّ كلاهما واحد ، ولكنّ هذه الهوهويّة والاتّحاد هاهنا واقعيّة ، بخلافها في مسألة الوضع فإنّها فيه اعتباريّة. ولا يخفى أنّ اتّحاد الواقعيّة لا يمكن أن توجد بصرف الإنشاء والتشريع ، وأمّا الاعتباريّة فلا مانع من إيجادها في عالم الاعتبار بصرف الإنشاء والجعل
__________________
(١) منتهى الاصول ١ : ١٥.