ويحكى به عنه وليس فيه من إيجاد الاتّحاد بين اللفظ والمعنى خبر ولا أثر ، وهكذا في وضع اللفظ للمفهوم الكلّي ، ولا فرق بينهما في صدق الوضع عليهما ، وأنّ كليهما من أقسام الوضع ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ فلا تكون حقيقة الوضع بهذه الدقّة التي تغفل عنها أذهان الخاصّة فضلا عن العامّة.
وجواب دليله الأوّل : أنّ أصل هذا الكلام صحيح ، ولكنّ العلّة فيه ليست الاتّحاد والهوهويّة ، بل الدليل أنّ المعاني في مقام التفهيم والتفهّم مقصودة بالأصالة ، والألفاظ آلة محضة لإبراز المعاني ومقصودة بالتبع ، ولذا يكون إلقاء اللفظ للمخاطب إلقاء للمعنى بلا توجّه منه إلى اللفظ.
وأمّا جواب دليله الثاني : فإنّ هذا الدليل لو تأمّل فيه دليل على المباينة بين اللفظ والمعنى ؛ إذ لا شكّ ولا ريب في أنّ كلّ قسم من أقسام المقسم قسيم للآخر ومباين له ، كمباينة البقر والبشر من أقسام الحيوان ، فيكون الوجود اللفظي للمعنى مباينا لوجوده الحقيقي كمباينته لوجوده الذهني ، فكيف يكون الاتّحاد والهوهويّة بين اللفظ والمعنى مع مباينة وجوده اللفظي مع وجوده الحقيقي؟! ومن البديهي أنّه لو كان بين «زيد» و «قائم» اتّحاد وهوهويّة وهكذا بين «زيد» و «عالم» للزم الاتّحاد والهوهويّة بين «القائم» و «العالم» ، فلك أن تقول : العالم قائم ، وهكذا في عالم الاعتبار ، فإذا اعتبر الاتّحاد والهوهويّة بين شيئين فإنّه يعتبر بين لوازمهما أيضا ، وإذا اعتبر بين اللفظ والمعنى اتّحاد وهوهويّة فلا معنى للمباينة بين وجوده اللفظي ووجوده الحقيقي ، بل تنفى نفس هذه المسألة الاتّحاد هاهنا.
هذا ، ولا يخفى أنّ أصل هذا التقسم أيضا كان نوعا من المسامحة ؛ إذ لا معنى للوجود اللفظي حقيقة وواقعا ، فهذا التفسير لحقيقة الوضع غير تام.