حقيقة عرفيّة سهلة التناول والمأخذ ، فلا تكون بهذه الدقّة التي تغفل عنها أذهان الخاصّة فضلا عن العامّة.
وجوابه : أنّ هذه الدقّة التي تراها بلحاظ اصطلاحات مأخوذة هنا ، ولا شكّ في أنّ لبّ هذا المعنى من المرتكز الذهني العرفي ، مع أنّه لا ربط لدركهم وعدم دركهم لواقعيّة المطلب ، وإلّا يجري هذا الإشكال في المعاملات أيضا.
ثمّ ذكر قدسسره تنظيرا لهذا المعنى وقال : ثمّ إنّه لا شبهة في اتّحاد حيثيّة دلالة اللفظ على معناه وكونه بحيث ينتقل من سماعه إلى معناه مع حيثيّة دلالة سائر الدوال كالعلم المنصوب على رأس الفرسخ ، غاية الأمر أنّ الوضع فيه حقيقي ، وفي اللفظ اعتباري ، بمعنى : أنّ كون العلم موضوعا على رأس الفرسخ واقعيّة خارجيّة ، وليس باعتبار معتبر (١).
وأشكل عليه بعض الأعلام (٢) بأنّ وضع اللفظ ليس من سنخ الوضع الحقيقي كوضع العلم ، والوجه في ذلك أنّ وضع العلم يتقوّم بثلاثة أركان : أوّلا : الموضوع وهو العلم ، ثانيا : الموضوع عليه وهي ذات المكان ، ثالثا : الموضوع له وهي الدلالة على كون المكان رأس الفرسخ.
وهذا بخلاف الوضع في باب الألفاظ ، فإنّه يتقوّم بركنين : أوّلا : الموضوع وهو اللفظ، ثانيا : الموضوع له وهي دلالته على معناه ، ولا يحتاج إلى شيء ثالث ليكون ذلك الثالث الموضوع عليه ، وإطلاقه على المعنى الموضوع له لو لم يكن من الأغلاط الظاهرة ، فلا أقلّ من أنّه لم يعهد في الإطلاقات المتعارفة والاستعمالات الشائعة ، مع أنّ لازم ما أفاده قدسسره هو أن يكون المعنى هو
__________________
(١) نهاية الدراية ١ : ٤٥.
(٢) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٤٤.