ولكنّه قدسسره لم يقل بأحد هذين المعنيين ، بل هو قائل بالمعنى الثالث هاهنا.
وذكر (١) قبل بيان المعنى مقدّمة فلسفيّة ، وهي : أنّ أعاظم الفلاسفة يعتقدون بأصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة ، ويقولون في توضيح اعتباريّة الماهيّة وانتزاعيّتها : إنّ الوجود أصيل في جميع مراتب وجوديّته ، وأمّا العناوين الحاكية عنها فلا واقعيّة لها ، فإنّ عنوان الجسميّة الحاكية عن المرحلة الأدنى للوجود ـ أي مرحلة الشاغل للحيّز ـ عنوان اعتباريّة وانتزاعيّة لا واقعيّة له في قبال واقعيّة وجود الحيّز ، وهكذا عنوان النامي وعنوان الحيوان والإنسان ، الحاكي كلّ منها عن مرحلة من المراحل الوجوديّة التي تقوى المرتبة العاليّة منها من سافلتها ، فإنّ مرحلة الناطقيّة أقوى من مرحلة الحسّاسيّة والتحرّك بالإرادة ، وهي أقوى من مرحلة النمو ، وهذه العناوين اعتباريّة وانتزاعيّة وحاكية عن المراحل الوجوديّة ، ولا دخل لها في الواقعيّة الوجوديّة.
وإذا كان الأمر كذلك فالارتباط الموجود بين هذه المرتبة القويّة وأفرادها كيف يتصوّر؟ أي الجهة المشتركة التي بها تمتاز أفراد كلّ نوع من أفراد النوع الآخر ، ولا يمكن القول باشتراكها في ماهيّة الإنسان ـ مثلا ـ إذا الماهيّة انتزاعيّة واعتباريّة ، والأصيل هو الوجود المساوق واللازم للتشخّص والجزئيّة.
وأيضا لا يمكن القول بما قال به الرجل الهمداني من كون نسبة الكلّي إلى أفراده نسبة الأب إلى أبنائه ، أي يتغاير الكلّي مع أفراده من حيث الوجود. بل لا بدّ من القول : بأنّ كلّ واحد من أفراد الطبيعة أب وابن ، مثلا : «زيد» حصّة من الإنسان و «بكر» حصّة اخرى منه ، هذه جهة الابوّة ، والخصوصيّات الفرديّة منهما تكون جهة البنوّة ، ف «زيد» مركّب من حصّة من الإنسان
__________________
(١) مقالات الاصول ١ : ٧٤.