لفظ «الابتداء» لهذا المفهوم ، ولكنّه في صورة لحاظ المستعمل المفهوم استقلالا ووضع لفظ «من» لهذا المفهوم ، ولكنّه في صورة لحاظ المستعمل المفهوم آلة ووصفا للغير.
وبعبارة اخرى : انحصر الواضع وحدّد مورد استعمالهما في هذا المفهوم ، وهذا المعنى مناسب لكلامه قدسسره وهو : «الاختلاف بين الاسم والحرف في الوضع يكون موجبا لعدم جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر وإن اتّفقا فيما له الوضع».
ولكن يرد عليه ما مرّ إجماله آنفا ، وهو : أنّ استعمال كلمة «أسد» في الرجل الشجاع استعمال مجازي بعلاقة المشابهة ، ولا نشكّ في صحّته ، مع كونه مباينا لما وضع له الأسد ، أي الحيوان المفترس.
وأمّا استعمال كلمة «من» في محلّ كلمة «الابتداء» وبالعكس مع أنّهما متّحدان في المراحل الثلاثة ـ أي الوضع والموضوع له والمستعمل فيه ـ فكيف يوجب البطلان؟! ولو أوجب الاختلاف في محدودة الوضع لبطلان الاستعمال ، فالاختلاف في الموضوع له بطريق أولى يوجبه ، مع أنّه لم يقل به أحد.
والحاصل : أنّ من توجيهه قدسسره لا يعلم دليل بطلان استعمال أحدهما محلّ الآخر.
واستشكل عليه أيضا بأنّ المستفاد من كلامه قدسسره أنّ المعاني الاسميّة مقصودة بالأصالة وبالذات ، والمعاني الحرفيّة مقصودة بالتبع ، مع أنّا نرى أنّ كلّا منهما منقوض في موارد كثيرة ، كما في الآية الشريفة : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ)(١) ، أي حتّى تعلم ، والتبيّن هاهنا طريق وآلة للعلم بالفجر ولا يكون مقصودا بالأصالة ، والأصالة والاستقلال
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.