موجودة في نفسها فنحتاج إلى رابطة اخرى ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ويتسلسل ، فالحروف موضوعة للنسب والروابط الموجودات المتقوّمة بالغير بحقيقة ذاتها ، ولها سنخ وجود لا ماهيّة لها ، ولذا لا تدخل تحت شيء من المقولات ، بل كان وجودها أضعف جميع مراتب الوجود.
ثمّ إنّ الحروف والأدوات لم توضع لمفهوم النسبة والربط ، فإنّه من المفاهيم الاسميّة الاستقلاليّة في عالم مفهوميّته ، وإنّما الموضوع لها هو واقع النسبة والربط ، أي ما هو بالحمل الشائع نسبة وربط ، والتي نسبة ذلك المفهوم إليها نسبة العنوان والمعنون ، لا نسبة الطبيعي وفرده ؛ إذ الطبيعي متّحد مع الفرد ذهنا وخارجا ، دون العنوان فإنّه لا يتعدّى عن مرحلة الذهن إلى الخارج ، ومغاير للمعنون ذاتا ووجودا ، كما هو الحال في قولهم : «شريك الباري ممتنع» ، و «المعدوم المطلق لا يخبر عنه» ؛ إذ المحكوم به بهذه الأحكام معنونات هذه الامور لا مفاهيمها ، فإنّها لا تتعدّى عن مرحلة الذهن إلى الخارج ، كيف وأنّها موجودة لا معدومة ولا ممتنعة؟! هذا تمام كلامه قدسسره.
أقول : هذا البيان صحيح لا إشكال فيه ، لكن لا في جميع الحروف كما سيأتي تفصيله إن شاء الله ، وأشكل عليه بعض الأعلام على ما في كتاب المحاضرات (١) بإشكالات :
الأوّل : أنّ الصحيح أنّه لا وجود للنسبة في الخارج في قبال الجوهر أو العرض وإن أصرّ على وجودها جماعة من الفلاسفة ، وأمّا الدليل المذكور في كلامه قدسسره فغير تامّ ؛ لأنّ صفتي اليقين والشكّ وإن كانتا صفتين متضادّين فلا يكاد يمكن أن تتعلّقا بشيء في آن واحد من جهة واحدة ، إلّا أنّ تحقّقهما في
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٧٠.