مبتدأ والبياض خبره ، وبينهما النسبة متحقّقة ، ولكنّ أهل الأدب في مقام التركيب قالوا : إنّ للجار والمجرور متعلّق محذوف ، ويعبّر عن هذا السنخ من القضايا بالقضيّة المؤوّلة ، وأصل القضيّة عبارة عن «الجسم ثابت له البياض» ، وكلمة «ثابت» خبر للمبتدا ، وحينئذ لا فرق بينها وبين قضيّة «الجسم أبيض» من حيث عدم النسبة فيهما ؛ إذ «الجسم» ليس غير ثابت له البياض ، بل يكون بينهما اتّحاد ، وهو لا يوافق النسبة كما لا يخفى.
ولكنّ التحقيق : أنّه إن لم نلاحظ القضيّة من نظر النحويين فلا تكون النسبة الموجودة في هذا السنخ من القضايا مدلولة للقضيّة الحمليّة ، بل هي مدلولة للحروف ، ويشهد على ذلك إفادة نسبة هذه الجملة وإن كانت بصورة المركّب غير التام ، مثل : «الجسم الذي له البياض» ، هذا أوّلا.
وثانيا : أنّ المحمول في هذه القضيّة عند المشهور عبارة عن جملة : «له البياض» فلا بدّ من وجود النسبة أيضا بين «الجسم» و «له البياض» ؛ إذ البياض لا يكون خبرا حتّى تتحقّق النسبة بينهما ، مع أنّه لم يقل به أحد.
والحاصل : أنّه في القضايا إمّا أنّه ليس للنسبة أثر ولا خبر ، أو كانت مدلولة للحروف ـ كما مرّ آنفا ـ مع أنّ الظاهر من كلامهم عدم الفرق بين القضايا الموجبة والسالبة من جهة الاشتراك في وجود النسبة فيها ، ولكن كانت النسبة في الاولى إيجابيّة ، وفي الثانية سلبيّة ، كما في قولك : «زيد ليس بقائم» ، فكيف تكون النسبة قابلة للتصوّر هاهنا؟! إذ لا يكون في الخارج قيام حتّى يقع طرفا للنسبة ، والسلب أمر عدميّ ، ولا يمكن أن يكون العدم طرفا للنسبة ، مع أنّ تحقّق النسبة على أمرين وجوديّين كما هو واضح.
فلا بدّ من توجيه كلامهم على خلاف ظاهره بأنّ مرادهم من النسبة