البحث والتأمّل ، والبحث فيها يكون في مرحلتين :
الاولى : في أنّ للفظ تأثيرا في حقيقة الإنشاء أم لا؟ قال بعض الأعلام ـ على ما في كتاب المحاضرات (١) ـ : إنّ الجملة الإنشائيّة موضوعة لإبراز أمر نفساني ، فكلّ متكلّم متعهّد بأنّه متى ما قصد إبراز ذلك يتكلّم بالجملة الإنشائيّة ، مثلا : إذا قصد إبراز اعتبار الملكيّة يتكلّم بصيغة «بعت» أو «ملكت» ، وإذا قصد إبراز اعتبار الزوجيّة يبرزه بقوله : «زوّجت» و «أنكحت» ، وإذا قصد إبراز اعتبار كون المادّة على عهدة المخاطب يتكلّم بصيغة «افعل» ونحوها ، وهكذا ، فالإنشاء يتحقّق بالاعتبار النفساني ، سواء كان هناك لفظ يتلفّظ به أم لم يكن؟ نعم ، اللفظ مبرز له في الخارج.
ثمّ يدفع الإشكال بقوله : أمّا الاعتبارات الشرعيّة أو العقلائيّة فهي وإن كانت مترتّبة على الجمل الإنشائيّة ، إلّا أنّ ذلك الترتّب إنّما هو فيما إذا قصد المنشئ معاني هذه الجمل بها لا مطلقا ، والمفروض في المقام أنّ الكلام في تحقيق معانيها وفيما تترتّب عليه تلك الاعتبارات.
وبتعبير آخر : أنّ الجمل الإنشائيّة وإن كانت ممّا يتوقّف عليها فعليّة تلك الاعتبارات وتحقّقها خارجا ، ولكن لا بما أنّها ألفاظ مخصوصة ، بل من جهة أنّها استعملت في معانيها.
على أنّه ليس في كلّ مورد من موارد الإنشاء اعتبار من العقلاء أو من الشرع ؛ لأنّ في مورد إنشاء التمنّي والترجّي والاستفهام ونحوها ليس أيّ اعتبار من الاعتبارات حتّى يتوصّل بها إلى ترتّبه في الخارج.
ثمّ استدلّ لذلك المعنى بقوله : إنّ الجملة الإنشائيّة لم توضع لإيجاد المعنى في
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٨٨.