تحقّقه من الاعتبار ؛ إذ الملكيّة ـ مثلا ـ مع أنّ أسبابها مختلفة قد تتحقّق بفعل فاعل مختار ، مثل : حيازة المباحات ، وقد تتحقّق بعامل غير اختياري ـ كالإرث ـ وقد تتحقّق بالإنشاء ، ولكنّه أمر اعتباري لا واقع له في الخارج إلّا اعتبار الشارع والعقلاء ، فيكون استعمال صيغة «بعت» في مقام البيع بداعي تحقّق سبب للملكيّة في عالم الاعتبار ، وصيغة «أنكحت» في مقام العقد بداعي تحقّق سبب للزوجيّة في العالم المذكور.
ولكن يرد عليه : أوّلا : أنّ لازم هذا المعنى عدم تحقّق الإنشاء فيما لو باع البائع مال الغير لنفسه عالما واشتراه المشتري كذلك ؛ إذ لا يكون هاهنا استعمال كلمة «بعت» في معناها بداعي تحقّقه في عالم الاعتبار بعد علمهما ببطلان هذا البيع عند الشارع والعقلاء ، مع أنّ القول بعدم تحقّق الإنشاء أصلا خلاف الوجدان ؛ إذ لا فرق في تحقّق الإنشاء بين كون البائع غاصبا أو غيره.
وثانيا : أنّ لازم هذا المعنى محدوديّة الإنشاء بامور اعتباريّة فقط ، وأمّا الامور الواقعيّة ـ مثل : الطلب الذي له واقعيّة خارجيّة ـ فهي إرادة قائمة بالنفس ، وواقعيّة ذهنيّة ، وهي عبارة عن تصوّر مفهومه ولا يتعلّق به الإنشاء ؛ إذ ليس فيه استعمال اللفظ في معناه بداعي تحقّقه في عالم الاعتبار.
ولكن يمكن جوابه بأنّ مفهوم الطلب كمفهوم الإنسان ليس فيه قابليّة الإنشاء عند المشهور حتّى يشمله التعريف.
قال المحقّق الخراساني قدسسره (١) في فوائده : إنّ الإنشاء هو القول الذي يقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر ، مثلا : ملكيّة المشتري للمبيع لها واقعيّة لم تكن لها قبل الإنشاء ، ولا نعني من وجود الملكيّة بالإنشاء إلّا مجرّد التحقّق الإنشائي
__________________
(١) فوائد الاصول : ١٧ ـ ١٨.