مقابل القبح أو في مقابل عدم الحسن؟ فإن كان المراد هو الأوّل لكان استعمال الغلط قبيحا ، وهو كما ترى فإنّا لا نرى القبح في استعمال الغلط ، غاية الأمر هو باطل ، والباطل ليس بقبيح.
وإن كان المراد هو الثاني فإنّا لا نرى حسنا في الاستعمالات الحقيقيّة ، بل لعلّ استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي لا حسن فيه ، ولذا يكون مقصوده من الاستدلال غير معلوم.
وذهب المشهور إلى أنّ المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، وملاك الصحّة عبارة عن إذن الواضع وترخيصه ، سواء كان ممّا يقبله الطبع أم لا.
وخالفهم السكّاكي في قسم واحد من المجازات ، وهو الاستعارة ، وقال : إنّ ذلك حقيقة لغويّة ، بمعنى أنّ استعمال لفظ «أسد» ـ مثلا ـ في «الرجل الشجاع» بعلاقة المشابهة استعمال حقيقي لا مجازي ، ولكنّ العقل والذهن تصرّف وجعل ادّعاء ما ليس بفرد فردا ، فكأنّه كان للأسد فردان : أحدهما : فرد حقيقي ـ وهو الحيوان المفترس ـ والآخر : فرد ادّعائي ، وهو للرجل الشجاع.
واستدلّ عليه بأنّه لو لا هذا التصرّف لما صحّ التعجّب في قوله :
قامت تظلّلني ومن عجب |
|
شمس تظلّلني من شمس |
إذ الشاعر ادّعى معشوقته فردا من الشمس فتعجّب ، وإلّا لا يكون في تظلّل الجسم تعجّب ، وهذا لا يوافق قول المشهور ، وهو واضح (١).
ولا بدّ من توجيه كلامه بوجهين :
الأوّل : أنّ كلمة «أسد» اسم جنس مثل كلمة «إنسان» وضع لمفهوم كلّي ينطبق على جميع المصاديق ، وإن استعمل لفظ «أسد» في مصداق خاصّ فهذا
__________________
(١) مفاتيح العلوم : ١٥٦ ـ ١٥٨.