والمتأخّرون ـ ومنهم المحقّق الخراساني قدسسره (١) ـ يقولون : بعدم الاستلزام ، فإنّ لنا إرادة استعماليّة وإرادة جدّيّة ، ولا يخفى أنّهما قابلتان للتفكيك والتخالف ، مثل أنّ المقنن في مقام وضع القانون كان من عادته جعل القانون بصورة الكلّي ، ثمّ خرّج بعض الموارد بعنوان التبصرة ونحوها ، وليس معناه عدم استعمال ألفاظ القانون في معناها ، بل حاكية عن أنّ الإرادة الجدّيّة ليست تابعة للإرادة الاستعماليّة.
ومثل قول المولى : «أكرم كلّ عالم» ، ثمّ قوله بدليل منفصل : «لا تكرم زيدا العالم» ، ومن الممكن عدم تعلّق مراده من أوّل الأمر ب «إكرام زيد» ، ولكن ليس معناه عدم استعمال «أكرم كلّ عالم» في معناه ، بل المراد أنّ الإرادة الاستعماليّة تتعلّق بكلّ الأفراد والمصاديق حتّى «زيد العالم». وأمّا الإرادة الجدّيّة فلا تتعلّق بإكرامه ، فالتخصيص يختصّ في دائرة الإرادة الجدّيّة فقط.
وهكذا قال العلّامة الأصفهاني قدسسره في باب المجاز ، وملخّص كلامه : أنّ اللفظ في جميع المجازات لا يستعمل إلّا فيما وضع له ، ولكنّ ما هو المراد استعمالا غير ما هو المراد جدّا ، بمعنى أنّ في مقام تطبيق ما هو الموضوع له على غيره إمّا يدّعى كونه مصداقا له ـ كما في الكلّيّات ـ وإمّا يدّعى كونه عينه ـ كما في الأعلام ـ ثمّ استدلّ بأنّ حقيقة المجاز ليست إلّا التلاعب بالمعاني ، بحيث تحفظ بها لطائف الكلام وجمال الأقوال في الخطب والأشعار التي لا يكون في الاستعمالات الحقيقيّة منها خبر ولا أثر ، كما في قوله تعالى : (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(٢) ؛ إذ لا يكون حسن المجاز بالتلاعب
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٩.
(٢) يوسف : ٣١.