بالألفاظ وإعارة لفظ الملك عارية عن معناه لوجود يوسف ، وجعلهما متّحدان في الاسم ، بل أنّ «الملك» استعمل في معناه الحقيقي ، وادّعي أنّ يوسف من مصاديقه ، مع أنّ جملة «حاش لله» لا يناسب لفظ «الملك» ، بل يناسب معناه.
وكما في قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)(١) ، فإنّه لا حسن للمجاز إن كان المراد من القرية أهلها ؛ إذ لا دليل لحذفه هاهنا ، بل القرية استعملت في معناها الحقيقي ، كأنّهم قالوا : تشهد على عدم سرقتنا الجمادات ، مثل قول الفرزدق :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته |
|
والبيت يعرفه والحلّ والحرم (٢) |
فإنّ جعل هذا الشعر وأمثاله من المجاز بالحذف ـ مع أنّه لا يناسب البلاغة ـ مخالف لدليل وجود المجازات في الكلام ، وهكذا إطلاق العين على الربيئة ليس إلّا بادّعاء كونها عينا باصرة بتمام وجوده لكمال مراقبته وإعمال ما هو أثر خاصّ لها ، وهذا المعنى يوجب الحسن في الكلام واللطائف في الأقوال ، وأصل وجود العلائق ليس إلّا مجوّزا ومصحّحا للاستعمال.
ولا يخفى أنّ المجاز قد يكون في الكلمة مثل : استعمال لفظ «أسد» في الرجل الشجاع ، وقد يكون في الإسناد مثل : «أنبت الربيع البقل» ، فإنّ إسناد الإنبات ـ مع أنّه من أفعاله ـ تعالى إلى الربيع مجازيّ ، وقد يكون في المركّب ، وهو إرادة المعنى المجازي من الجملة ، مثل قولك للمتحيّر : «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر اخرى» ؛ لأنّ ألفاظها استعملت في معانيها الحقيقيّة ، وليس للمركّب وضع على حدة ، ويدّعى أنّ هذا الشخص المتردّد والمتحيّر حاله وأمره يتجلّى في هذا
__________________
(١) يوسف : ٨٢.
(٢) الإرشاد للمفيد ٢ : ١٥١.