مؤثّرة في تحريك الفاعل بوجودها الذهني ، بل هي المهمّ في سلسلة العلل.
الثانية : أنّ المعلول بما أنّه رشحة من رشحات العلّة فلا استقلال له ؛ لأنّه عين الربط بعلّته ، فهو لا محالة يتضيّق تضيّقا ذاتيّا بضيقها ، ولا يمكنه أن يكون أوسع منها ، فكلّ معلول محدود ومضيّق بالعلّة الغائيّة.
وبالنتيجة : العلّة الغائيّة في باب الوضع عبارة عن السهولة في التفهيم والتفهّم ، يعني إظهار المقاصد وبيان ما تتعلّق به الإرادة ، فيكون تعلّق الإرادة بالمعاني جزء العلّة الغائيّة ، فتضيّق المعلول ـ أي دائرة الوضع ـ بالمعاني المقصودة ، ولذا لو سمعت لفظا من لافظ بلا شعور لا وضع له ؛ إذ لم يكن فيه القصد والإرادة.
ولكنّ التحقيق : أنّ الوضع بعد عدم تحقّق علقة ذاتيّة بين اللفظ والمعنى عبارة عن جعل علقة اعتباريّة بينهما ، وثمرته دلالة اللفظ على المعنى بحيث إنّه إذا سمع سامع اللفظ ينتقل ذهنه إلى المعنى ، ودلالة اللفظ على المعنى لا يكون زائدا على دلالة إشارة عمليّة على المشار إليه ؛ لأنّ وضع اللفظ لسهولة فهم المعنى وجعله علامة له ، ولا دخل للإرادة فيها أصلا. هذا أوّلا.
وثانيا : لو سلّمنا إيجاد التضييق في الوضع من ناحية العلّة الغائيّة ، ولكن ليس معناه مدخليّة حقيقة الإرادة في الموضوع له شطرا أو شرطا ، بل معناه أنّ مورد تحقّق العلاقة الوضعيّة عبارة عمّا تحقّقت فيه الإرادة ، ولو لا الإرادة لما تحقّق الوضع.
ونظيره نزاع صاحب المعالم وصاحب القوانين في مسألة استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد ، فقال صاحب المعالم (١) : «إنّ كلّ لفظ وضع
__________________
(١) معالم الدين : ٣٩.