لكلّ واحد منها لفظا حتّى يحكي عنها ، فيكون غرضه من الوضع إفادة المعاني الواقعيّة ، فلو لم تكن الواقعيّة لم يتحقّق الوضع أصلا.
ويمكن أن يقال : إنّ لنا عناوين وألفاظا مع أنّها ليست لها واقعيّة وحقيقة ، ولكنّها تحكي عن المعاني ، فلا تكون دائرة الوضع محدودة بالواقعيّات ، مثلا : عنوان «شريك الباري» و «اجتماع النقيضين» ، وأمثال ذلك بعد إقامة البرهان على استحالة كلّ واحد من هذه العناوين لا واقعيّة لها ، ولكنّها تدلّ على المعاني.
وجوابه : أوّلا : بأنّ كلمة «الباري» وضعت لذات واجب الوجود ، وهكذا كلمة «الشريك» وضعت لمطلق الشركة ، وأمّا تلفيق المضاف والمضاف إليه فيكون من عمل القائل بداعي جعلهما موضوعا لحمل كلمة «محال» عليه ، لا وضعه لها ، وهكذا في جملة «اجتماع النقيضين محال».
إن قلت : لو سلّمنا هذا المعنى في المركّبات فكيف التوفيق في المفردات التي لا واقعيّة لها ، وتدلّ على المعاني ، مثل كلمة «ممتنع» و «محال»؟
قلنا : إنّ الواضع لا يكون له وضع لهيئة كلمة الممتنع ومادّتها ملفّقين ، بل لمادّتها وضع ولهيئتها وضع آخر ، وكلّ منهما يحكي عن المعنى ، وتلفيق الهيئة والمادّة يكون من عمل القائل ، وليس التلفيق في لسان الواضع.
وثانيا : أنّ المقصود من الواقعيّة ليس التحقّق والعينيّة الخارجيّة ، بل المراد منها ما يقبل الإيجاب والسلب والإثبات والنفي ، بل لو كان ممّا اتّفق الكلّ على عدمه ـ مثل اجتماع النقيضين ـ كان له واقعيّة باعتبار وقوعه موضوعا لكلمة «محال» ، ولأنّه لو لم تكن محاليّة اجتماع النقيضين لا يمكن إثبات واقعيّة من الواقعيّات ، فيكون لاجتماع النقيضين وشريك الباري معنى ، ولكنّه ممتنع ومحال.