الجهة الثالثة ـ في ثمرة التبادر : هل ينتج منه المعنى الموضوع له أو المعنى الحقيقي؟ إذ الرابطة الاعتباريّة كما تحصل بالوضع كذلك تحصل بكثرة الاستعمال حتّى يصير حقيقة ، وقد ذكرنا فيما تقدّم أنّ تقسيم الوضع إلى التعييني والتعيّني ليس بصحيح ، فتكون الحقيقة أعمّ مطلقا من الموضوع له ؛ إذ كلّ موضوع له حقيقة ، وليس كلّ حقيقة موضوع له ، فتكون ثمرة التبادر إثبات كون المعنى المتبادر حقيقة ، لا كونه موضوعا له.
الجهة الرابعة ـ في علّة كون التبادر علامة للحقيقة : وبيانه : أنّ اللفظ والمعنى لو لم يكن بينهما ارتباط حقيقي لم يتبادر من بين المعاني المتعدّدة المحتملة هذا المعنى ؛ إذ لا يتصوّر خصوصيّة للانسباق سوى ذلك ، فهذه الخصوصيّة علّة للتبادر.
الجهة الخامسة ـ في الإشكالات والتفصّيات : فقد يورد أنّ علاميّة التبادر تستلزم الدور ؛ إذ لا معنى للتبادر عند الجاهل ، فإنّه لا يدرك سوى الأصوات والألفاظ ، فلا محالة يتبادر عند العالم بالمعنى الحقيقي ، فالتبادر متوقّف على العلم بالمعنى الحقيقي ، والمفروض أنّ العلم به متوقّف على التبادر.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني (١) بوجهين : الأوّل : أنّ التبادر عند العالم بالوضع علامة الحقيقة للجاهل به ، فالمستعلم يرجع في ذلك إلى العالم بالوضع ، فيكون علم الجاهل متوقّفا على التبادر ، ولكنّ التبادر متوقّف على علم العالم ، وبذلك يندفع الدور كما لا يخفى.
الثاني : أنّ التبادر وإن كان متوقّفا على العلم بالمعنى الحقيقي ، إلّا أنّ ذلك العلم ارتكازي مكنون في خزانة النفس ، من دون التفات تفصيلي إليه ،
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٢٥.