لم يحفظ ذكرا عن الوضع والنقل ، مع أنّه لو كان هناك شيء لنقل إلينا ؛ لكثرة الدواعي إلى نقله ، والمهمّ منه عدم ذكر الأئمّة عليهمالسلام للوضع في كلماتهم ، مع أنّهم ذكروا خصوصيّات مهمّة من حياته صلىاللهعليهوآله ولكن لم يتعرّضوا له أصلا. ولم تتحقّق مسألة باسم الوضع حتّى لو قلنا بأنّ الوضع كما يحصل بالتصريح بإنشائه كذلك يحصل باستعمال اللّفظ في غير ما وضع له بقرينة الوضع كما قال به صاحب الكفاية ، وإلّا لا بدّ من ذكره في التأريخ أو في لسان الأئمّة عليهمالسلام فإنّه ليس أقلّ أهمّية من كيفيّة وضوئه صلىاللهعليهوآله التي نقلت مرارا على ألسنتهمعليهمالسلام.
الجهة الثانية : في ملاحظة كتاب الله من حيث وجود تلك المعاني في الامم السابقة وعدمه فلا شكّ في أنّه يستفاد من مراجعة القرآن معهوديّة تلك المعاني في الامم السابقة ، كما ينبئ عنه غير واحد من الآيات ، مثل : قوله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(١) ، وقوله تعالى في مقام الحكاية عن قول عيسى عليهالسلام : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا)(٢) ، وقوله سبحانه لإبراهيم عليهالسلام : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً)(٣) ، والمهمّ منها قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)(٤) ، فثبوت هذه المعاني حتّى الزكاة في الشرائع السابقة لا إشكال ولا كلام فيه ، وإن لم نقل بثبوتها فيها بهذه الكيفيّة والأجزاء والشرائط الثابتة في شرعنا ، بل كانت فيها بعنوان عبادة مخصوصة سوى المعنى اللغوي ، والاختلاف فيها بين شريعتنا وسائر الشرائع لا يكون أزيد من اختلافها
__________________
(١) البقرة : ١٨٣.
(٢) مريم : ٣١.
(٣) الحجّ : ٢٧.
(٤) الأنفال : ٣٥.