الناس وأنّ تفهيمه من طريق الإشارة مشكل وضع هذا اللفظ لهذا المعنى ؛ لغرض السهولة في التفهيم والتفهّم ، فإذا جاء رسول من الله تعالى بدين جديد ومسلك حادث كان موقعيّة وضعه من حين تبعيّة الناس له ورغبتهم إليه وبسط دينه ، فهو بعد ملاحظة احتياجه واحتياج امّته إلى استعمال الألفاظ في المعاني المستحدثة يضع الألفاظ للمعاني على فرض تحقّقه بسبب النبيّ صلىاللهعليهوآله.
وبناء على ذلك كان المقتضي له زمان تقرّره وحياته في المدينة ، لا زمان حياته في مكّة ، حيث إنّ تابعيه في ذلك الزمان كانوا في غاية القلّة ، مع أنّا نرى وجود ألفاظ العبادات في الآيات المكّيّة النازلة في ابتداء البعثة ، كقوله سبحانه في سورة المزمّل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(١) ، وقوله تعالى في سورة الأعلى : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(٢).
ولا شكّ في أنّ المراد من الصلاة هي العبادة المخصوصة ، وأنّ دلالتها عليها ليست بمعونة قرينة حاليّة أو لفظيّة ، فإنّا نرى عدم وجود قرينة لفظيّة في الآية ، وأمّا القرينة الحاليّة فليست مناسبة للكتاب الذي كان بعنوان معجزة باقية إلى يوم القيامة ، فكيف وضع رسول الله صلىاللهعليهوآله هذه الألفاظ لتلك المعاني مع أنّ الموقعيّة لم تقتضيه أصلا؟!
وأمّا قوله صلىاللهعليهوآله في حديث : «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» (٣) فليس بقرينة ، بل هو مؤيّد لعلم الناس بكون الصلاة عبادة مخصوصة وجهلهم بكيفيّتها ، وقد مرّ أنّ الجهل بالكيفيّة لا ينافي أصل التحقّق ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يرشدهم إلى الكيفيّة بهذه الجملة ، كإرشاد العالم الجاهل إلى الكيفيّة في زماننا هذا.
__________________
(١) المزمل : ٢٠.
(٢) الأعلى : ١٥.
(٣) البحار ٨٢ : ٢٧٩.