إثباته بالتواتر ، وهو كونه أساسا للإسلام ، وكتاب هداية للناس من الضلالة ، ومعجزة باقية إلى يوم القيامة ، ولم يأت لبيان الأحكام خاصّة ، بل كان إتيانه لبيان جميع ما له دخل في سعادة الإنسان ، وهو الكتاب الذي قال الله تعالى في شأنه : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١) ، وحيث كان شأنه كذلك فلا معنى لإثباته بخبر عادل ، بل لا بدّ فيه من التواتر ، فكان المسلمون يستبقون إلى حفظه من الابتداء ، وكذلك الكفّار الذين كانوا في أعلى درجة من الفصاحة والبلاغة يستبقون إلى حفظه لوهنه وإيراد الخدشة عليه ؛ إذ القرآن ناداهم بأعلى صوت بقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٢) ، ولذا كانت الدواعي لحفظ القرآن وافرة ولم تصل النوبة إلى خبر الواحد حتّى يقال: إنّه يثبت به أم لا.
وقد أخطأ خطأ بيّنا من قال : بعدم جمع القرآن في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله بل كان جمعه واتّصال الآيات بمعنى تأليف الكتاب وتنظيم السور في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ومرتبطا بالوحي ، بل جمعه واتّصاله وارتباطه بالوحي ضروريّا ؛ إذ روي إتيان جبرئيل بكلّ آية آية من القرآن ، وقوله لرسول الله صلىاللهعليهوآله : ضعها في سورة كذا.
وأمّا الجمع الذي نسب إلى أمير المؤمنين عليهالسلام أو أبي بكر أو عثمان فلا يرتبط بتأليف القرآن وتنظيم الآيات والسور ، فإنّ جمع مولى الموحّدين عليهالسلام عبارة عن كتابة جميع خصوصيّات الآيات ، من تفسيرها وتبيين غوامضها وشأن نزولها وسائر ما له دخل بها ، مع رعاية نظمها وترتيبها ، كما فعل ذلك ابن مسعود
__________________
(١) الحجر : ٩.
(٢) البقرة : ٢٣.