ولا يخفى عليك ضعفه ، فإنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات غير مسلّم ، مع مخالفة فحول الفن كالمحقّق الخراساني وتلميذه العراقي قدسسرهما وغيرهما ؛ لاحتمال الثالث الذي اشير إليه في الكفاية ، وهو : أن يكون تمايز العلوم بتمايز المحمولات ، هذا أوّلا.
وثانيا : لا نعلم اعتقاد المشهور ابتداء بذلك حتّى يستفاد منه احتياج العلوم إلى الموضوع ، بل يمكن أن تكون المسألة بالعكس بأن تكون مسألة تمايز العلوم بالموضوعات فرع مسألة احتياج العلوم إلى الموضوع ، والمناسب لهذا الدليل أن يكون تمايز العلوم بالموضوعات أصلا في البحث والاعتقاد.
بقي هنا جوابان مهمّان على استدلال المشهور لاحتياج العلوم إلى الموضوع :
الأوّل : أنّ الغرض المترتّب على العلوم كترتّب المعلول على العلّة هل يترتّب على نفس المسائل الواقعيّة وقواعدها النفس الأمريّة؟ فمثلا : الغرض المترتّب على علم النحو ـ أي صون اللسان عن الخطأ في المقال ـ يترتّب على وجود كلّ فاعل مرفوع وكلّ مفعول منصوب ونحوهما ، ولازم ذلك حصول الغرض لكلّ من كان عنده كتب كثيرة من علم النحو ، بل اللازم تكلّم الناس كلاما صحيحا من ابتداء تدوينها ؛ إذ المسائل التي تكون علّة لوجود ذلك الغرض كانت موجودة.
وبطلانه واضح ؛ إذ من المعلوم أنّ حصول الغرض يتوقّف على ثلاث مقدّمات : إحداها : وجود المسائل في الكتب ، ثانيتها : الاطّلاع عليها ، ثالثتها : رعايتها حين التكلّم. ويحصل من جميع ذلك صون اللسان عن الخطأ في المقال ، فلا يكون المؤثّر في الغرض الجامع بين الموضوعات ولو قلنا بوجوده.