الثاني : أنّ الطريق الذي اختاره المشهور للاستدلال يستفاد منه أنّ الجامع بين النسب مؤثّر في الغرض ؛ إذ النسبة وإن كانت مؤخّرة عن الموضوع والمحمول من حيث الرّتبة إلّا أنّ المحور والقوام في القضيّة الحمليّة هي النسبة والرّبط ، كما هو الظاهر ؛ إذ معنى «زيد عالم» : أنّي اخبرك بعالميّة زيد ، بل ليس المراد من قولهم : وحدة الغرض تكشف عن جامع واحد إلّا جامع بين النسب ، فإنّ الجامع بين الموضوعات عبارة عن الكلمة والكلام التي هي الموضوع لعلم النحو ، ولا ربط لها بالغرض ، ومن البديهي أنّ الجامع بين النسب هو مرفوعيّة الفاعل ومنصوبيّة المفعول ونحوهما ، وذلك لا يكون موضوعا لعلم النحو.
والحاصل : أنّه لا يثبت بدليل المشهور احتياج العلوم إلى الموضوع ، كما لا يثبت بالدليل الذي ذكرناه بعده.
نعم ، يوجد طريق آخر لإثباته ذكره سيّدنا الاستاذ (١) في التهذيب لغرض آخر ، واستفدنا منه احتياج العلوم إلى الموضوع ، وهو :
إنّا نرى نوعا من السنخيّة الذاتيّة بين مسائل العلم وإن اختلفت من حيث الموضوع والمحمول ، فإنّا نرى بين مسألة الفاعل مرفوع والمفعول منصوب نوع من الارتباط الذي لا نراه بين مسألة الفاعل مرفوع ومسألة صيغة الأمر دالّة على الوجوب ، ومن العجب أنّ المسائل الاصوليّة مع أنّ قسما منها مباحث لفظيّة وقسما آخر مباحث عقليّة ولكن نرى بينهما بالبداهة سنخيّة لا تكون بين مسائل هذا العلم وعلوم أخر.
إن قلت : إنّ هذه السنخيّة التي تكون بين مسائل العلم سرّها وحدة الغرض فقط.
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ٩.