والنقصان كانا من المترادفين ، وأنّ اختلاف التعبيرات عن الصحّة لا يرجع إلى اختلاف في مفهومها ، بل لمّا كانت الأغراض مختلفة عبّر كلّ عن الصحّة بلازمها الموافق لغرضه ، فإنّ غرض الفقيه ـ مثلا ـ البحث عن حال فعل المكلّف الذي هو موضوع علمه ، ولذا عرّف الصحّة بإسقاط القضاء أو الإعادة ، ولما كان غرض المتكلّم البحث عمّا يرجع إلى المبدأ وصفاته وأفعاله التي منها أوامره ونواهيه وموافقتها الموجبة لاستحقاق المثوبة ومخالفتها الموجبة لاستحقاق العقوبة ، عرّف الصحّة بموافقة الشريعة ، وكذا الطبيب كان غرضه البحث عمّا يرتبط بسلامة بدن الإنسان ـ مثلا ـ عرّف الصحّة باعتدال المزاج ، وهكذا عرّفها كلّ بما يوافق غرضه ، وهذا لا يوجب تعدّد المعنى.
ثمّ قال (١) في آخر كلامه : إنّ الصحّة والفساد أمران إضافيّان ، فيختلف شيء واحد صحّة وفسادا بحسب الحالات ، فيكون تامّا بحسب حالة وفاسدا بحسب اخرى ، فإنّ الصلاة من جلوس صحيحة للعاجز عن القيام ، وفاسدة للقادر عليه.
وفيه : أوّلا : أنّ تقابل التمام والنقص كان تقابل للعدم والملكة ؛ إذ الناقص عبارة عن الشيء الذي من شأنه أن يكون تامّا ولكنّه بالفعل غير تامّ ، مثلا : يقال : للإنسان الذي لم يكن له رجل أنّ هذا الإنسان ناقص ؛ لأنّ من شأنه أن يكون له رجلان ، وأمّا الجدار ـ مثلا ـ إذا كان كذلك فلا يقال له : إنّه ناقص ؛ لأنّ الجدار ليس من شأنه أن يكون له رجل ، فيكون أحدهما أمرا وجوديّا والآخر أمرا عدميّا خاصّا.
وأمّا الصحّة والفساد فهما عبارة عن أمرين وجوديّين متضادّين ؛ إذ الفساد
__________________
(١) المصدر السابق.