من كتابة جميع المعاني ؛ بأنّ العين ـ مثلا ـ تكون حقيقة في سبعين معنى ، فيكون أحد مناشئ الاشتراك اختلاف المعاني في القبائل في الأزمنة السابقة ، واختلافها في البلاد في زماننا هذا.
الثاني : تقدّم أنّ الغرض من الوضع هو التفهيم والتفهّم ، ولا يخفى أنّ ذلك على نوعين ، فإنّ غرض المتكلّم قد يتعلّق ببيان المراد بنحو كامل وإظهاره ما في ضميره بنحو أجلى للمخاطب ، وقد يتعلّق غرضه ببيان المراد بنحو الإجمال ، ومعلوم أنّ الاشتراك اللفظي أحسن طريق لبيان المراد على النحو الثاني ، فيقضي غرض الوضع تحقّق الاشتراك في اللّغات.
ويمكن لنا بيان منشأ آخر للاشتراك وهو : أنّ الواضع وضع لفظ «الأسد» للحيوان المفترس ، ولكنّه استعمل كثيرا في المعنى المجازي بحيث صار حقيقة فيه في مقابل المعنى الحقيقي ؛ بحيث أنّ المخاطب حين استماع كلمة «الأسد» بلا قرينة يصير متحيّرا في أنّ المراد منه ما هو؟ فيتحقّق هاهنا الاشتراك اللفظي بصورة الوضع التعيّني ، فهذا أيضا منشأ للاشتراك اللفظي ، كما لا يخفى.
وأشار المحقّق الخراساني قدسسره (١) إلى قول آخر في المسألة وهو القول بالتفصيل بين القرآن وغيره ؛ بأنّ الاشتراك مستحيل في القرآن دون غيره ؛ إذ لو قلنا بوجود لفظ المشترك فيه لزم التطويل بلا طائل أو الإجمال ، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى.
توضيحه : أنّه حين الاستعمال إن اعتمد في تعيين المراد على القرائن الدالّة عليه لزم التطويل غير المحتاج إليه ، وإن لم يعتمد عليها في تعيين المراد لزم الإجمال ، وكلا الأمرين غير لائق بكلامه تعالى ، وهذان المحذوران أوجبا
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٥٣.