وجوابه : أنّ هذا المبنى مخدوش من أساسه ؛ إذ الوضع لا يكون عبارة عن جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى ، فإنّهما من المتباينين ، ولا يمكن جعل الملازمة التكوينيّة بينهما للواضع ، ولا معنى لجعل الملازمة الاعتباريّة ، مضافا إلى أنّ الواضع في مقام الوضع يقيم الوضع مقام الإشارة اللفظيّة حتّى يعرف المشار إليه في حال الحياة والموت ، والحضور والغياب باللفظ الموضوع ، فامتناع الاشتراك كضرورة وجوده ليس بتامّ ، بل هو أمر ممكن تحقّقه في الخارج ، بل نرى تحقّقه بين المعنيين المتضادّين ، مثل : لفظ «القرء» بمعنى الطهر والحيض ، وأمثال ذلك.
ولكنّه يمكن أن يقال : إنّه لا نحتاج إلى الاشتراك ، مع أنّ الألفاظ كانت وافية للمعاني ، فلا موجب له ، فما الدليل لتحقّقه؟
ذكروا هاهنا وجهين :
الأوّل منهما ينتج من ضمّ مقدّمتين :
إحداهما : أنّ الاشتراك في لغة لا يستلزم الاشتراك في كلّ لغة ، فإنّا نرى أنّ لكلّ قبيلة أو بلد اصطلاحات خاصّة مع اشتراكهم في أصل اللغة ، مثلا : يراد من لفظ «العين» في بلد من البلاد العربية العين الباكية ، وفي بلد آخر منها العين الجارية ، فالاصطلاحات متغايرة بحسب البلاد في زماننا هذا ، وبحسب القبائل في الأزمنة السابقة ؛ لأنّ الواضع لا يكون ذات الواجب ولا شخصا معيّنا خاصّا ، بل لكلّ قبيلة وضع خاصّ واصطلاح مخصوص.
وثانيتهما : أنّ ديدن المحقّقين من اللّغويين كان استفادة اللّغات من ألسنة الأقوام والقبائل ، فإذا رأى اللّغوي أنّ في قبيلة يراد من لفظ العين ـ مثلا ـ العين الباكية وقبيلة اخرى يراد منها العين الجارية فلا بدّ له حين الكتابة