الثاني : أنّا نمنع كون الاشتراك يوجب الإخلال بغرض الوضع ، فإنّ الغرض كما يتعلّق بالتفهيم والتفهّم كذلك قد يتعلّق بالإهمال والإجمال وعدم نصب دلالة على المراد.
والحاصل : أنّ هذا التعليل أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاصه بصورة خفاء القرائن ، فلا يصلح لأن يكون دليلا على منع الاشتراك مطلقا ولو فيما إذا كانت قرائن المراد جليّة ودلالتها على المقصود واضحة.
ومنها : أنّ الاشتراك ينافي حقيقة الوضع ؛ لأنّ الوضع عبارة عن جعل اللفظ مرآة وفانيا في المعنى ، بحيث إنّا ننتقل من استعمال اللفظ إلى المعنى بلا تحيّر وتردّد ، ومعلوم أنّ هذا المعنى لا يناسب الاشتراك.
وجوابه : أنّه قد خلط المستدلّ بين مقام الوضع والاستعمال ؛ إذ لا شكّ في أنّ الواضع يلاحظ اللفظ مستقلّا كالمعنى ثمّ يجعله علامة للمعنى ، وقد مرّ مرارا أنّ الوضع مثل تسمية الأب لمولوده من جهة استقلال اللفظ والمعنى معا.
نعم ، بعد تحقّق الوضع وإيصال النوبة إلى مقام الاستعمال يتعلّق غرض المستعملين بإلقاء وتلقّي المعنى فقط ، ويكون التفاتهم إلى اللفظ التفات مرآتي ، بل اللفظ يكون فانيا في المعنى بحدّ كأنّه لم يسمع أصلا. فهذا الدليل ليس بتامّ.
ومن الوجوه التي استدلّ بها القائل باستحالة الاشتراك : أنّ حقيقة الوضع عبارة عن جعل الملازمة الذهنيّة بين اللفظ والمعنى ؛ بحيث أنّ اللفظ لا يكاد ينفكّ عن المعنى ، والمعنى لا يكاد ينفكّ عن اللفظ ، فعليه يلزم من الوضع للمعنيين أن يحصل عند تصور اللفظ الانتقالان المستقلّان دفعة واحدة ، وسيأتي أنّ هذا المعنى مستحيل عند عدّة من المحقّقين ، فكيف يعقل الملازمة بين اللفظ والمعنى الأوّل والثاني وعدم انفكاكهما عنه؟!