وأمّا السامع والمخاطب فينتقل من اللفظ إلى المعنى فينعكس الأمر ؛ إذ يكون لحاظ المعنى تبعا للحاظ اللفظ وسماعه ، فإذا كان اللفظ دالّا على المعنيين انتقل منه إليهما من غير لزوم استحالة أبدا ، فلا يلزم من تبعيّة اللحاظ جمع اللحاظين في اللفظ ، كما لا يخفى.
الاحتمال الثالث : أنّ كلامه قدسسره يدور مدار أصل اللحاظ مع حذف عنوان الاستقلال والتبع عنه ؛ بأنّ معيار تعدّد اللحاظ في اللفظ هو تعدّده في المعنى ، فإذا كان اللحاظ في جانب المعنى متعدّدا فلا بدّ من تعدّده في جانب اللفظ أيضا.
وجوابه : أنّ هذا ليس بتامّ ؛ لأنّه إذا قال المتكلّم : «رأيت عينا» وأراد منها العين الباكية ، ثمّ قال بعد ساعة أيضا : «رأيت عينا» وأراد منها هذا المعنى ، فلا شكّ في تعدّد اللحاظ ووحدة المعنى ، فكيف كان اللحاظ متعدّدا مع أنّ المعنى واحد؟! فلا بدّ من تغيير المعيار ؛ بأنّ تعدّد اللحاظ في جانب اللفظ تابع لتعدّد الاستعمال ، فإذا كان الاستعمال واحدا يكفي فيه اللحاظ الواحد وإن كان المعنى متعدّدا ، وإذا كان الاستعمال متعدّدا فلا بدّ من تعدّد اللحاظ. ولا يصح ما أفاده قدسسره في مقام الاستدلال للقول بالاستحالة ، فتدبّر.
فإن قيل : إنّه لا مانع من تعلّق اللحاظين بلفظ واحد مع أنّه واحد.
قلنا : إنّ هذا المعنى ليس بصحيح ؛ إذ اللحاظ عبارة عن تصوّر الشيء وحضوره عند النفس والتفات الذهن إليه ، ومن المعلوم أنّه لا يمكن إحضاره في النفس مرّتين بدون تعدّد الزمان ، كما أنّه لا يمكن إتيان علمين في آن واحد بشيء واحد للإنسان.
وقد استدلّ المحقّق النائيني قدسسره (١) على الاستحالة بأنّ حقيقة الاستعمال ليست
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٥١.