إلّا عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ وإلقاءه إلى المخاطب خارجا ، ولذا لا يرى المخاطب إلّا المعنى ، فإنّه الملحوظ أوّلا وبالذات ، واللفظ ملحوظ بتبعه وفان فيه ، فلازم استعمال اللفظ في المعنيين على نحو الاستقلال تعلّق اللحاظ الاستقلالي بكلّ واحد منهما في آن واحد كما لو لم يستعمل اللفظ إلّا فيه. ومن الواضح أنّ النفس لا تستطيع أن تجمع بين اللحاظين المستقلّين في آن واحد ، فلا شكّ في أنّ الاستعمال في أكثر من معنى واحد يستلزم ذلك ، والمستلزم للمحال محال.
وجوابه : أنّ النفس بما أنّها جوهر بسيط ولها صفحة واسعة تقدر أن تجمع بين اللحاظين المستقلّين في صفحتها في آن واحد.
ويدلّ على ذلك امور :
الأوّل : أنّا إذا رجعنا إلى أنفسنا وجدنا أنّها تقدر على تصوّر امور متضادّة أو متماثلة بتصوّرات مستقلّة في آن واحد ، فإنّ إسناد الرؤية ـ مثلا ـ إلى العين أو النفس إسناد حقيقي ، ومعلوم أنّ النفس بما لها من السعة تقدر على رؤية عدّة أشخاص في آن واحد بلا تقدّم وتأخّر ، فالرؤية مع كونها عملا للنفس تستلزم أن يكون المرئي متعدّدا ، فلا يكون اجتماع اللحاظين فيها ممتنعا أصلا.
الثاني : أنّ استفادة النفس في آن واحد من قوّة السامعة والباصرة واللامسة لا تكون قابلة للإنكار ، فكيف تقدر النفس في آن واحد على لحاظ المسموع والملموس وأمثال ذلك؟! فيكشف أنّ للنفس سعة خاصّة تقدر بها بما لا يمكن صدوره عن المادّي.
الثالث : أنّ في القضايا الحمليّة التي ملاكها الاتّحاد والهوهويّة وإن كان الموضوع متقدّما والمحمول متأخّرا من حيث اللفظ ، إلّا أنّ حمل الشيء والحكم